د. شهاب المكاحله
تحدثت في مقالة سابقة عن تقرير استخباراتي يشخص واقع ومستقبل الشرق الأوسط منذ العام ٢٠٠٠–٢٠٣٥، وتحدثت عن المحور الأول باختصار متناهٍ وهو علاقة الحاكم بالمحكوم. وفي هذه المقالة سأستعرض المحور الثاني: الأمن والاستقرار الداخلي في تلك الدول.
يرى التقرير أن الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ستشكل تهديدات جديدة لأمن الشرق الأوسط في السنوات القادمة. كما أن تدهور اقتصاداتها وبطء عملية الإصلاح السياسي سيزيد الإحباط الشعبي من أنظمة الحكم فيها، ما يولد شرارة تشعل نيران ثورات شعبية تطيح ببعض تلك الأنظمة على مراحل. أما الأخرى فيزج بها في أتون الفتن والصراعات التي ستهز تلك الأنظمة لاحقاً للحصول منها على تنازلات اقتصادية وسياسية.
ويوضح التقرير أن الحريات المدنية ستبقى محدودة في ظل حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني؛ فتواجه العديد من الدول ديوناً متزايدة وفقراً لم تعهده من قبل، ونقصاً حاداً في مصادر الغذاء والماء. وفي مثل هذه الحالة، ستُذكي تلك الظروف العصيان المدني والمد الشعبي للمطالبة بالتغيير ما ينعكس على مقدرة تلك الدول الأمنية والعسكرية حيث ستكون قواتها المسلحة منهكة جداً بسبب توجيه تلك القوات للحد من الاضطرابات الداخلية، بما يدفع دول الجوار إلى التدخل سواء أكان ذلك بحسن نية أم بغير ذلك، ما يجعل تلك الدول تتجه إلى التحالف مع دول لم تتخيل يوماً أن تتحالف معها.
وهنا يفقد الكثير من دول المنطقة تحالفاتهم القديمة وسيكون للشرق الأوسط علاقات اقتصادية وعسكرية أقوى مع دول آسيوية خصوصاً مع اكتفاء الولايات المتحدة الذاتي من النفط والطاقة، ما يدفع إلى تحول دول الشرق الأوسط النفطية إلى تعزيز علاقاتها الدفاعية مع شرق آسيا للحصول على تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل.
ويرى التقرير أنه بتراجع نفوذ وتأثير الغرب على الشرق الأوسط لحساب الصين وروسيا، فإنه سيكون هناك زعزعة للأنظمة القائمة فيما بعد، ما يزيد من خطر الصراع العسكري فيها مع زيادة استعدادات الجماعات الأصولية وتوجه بعض الدول الغربية لدعم بعض الأنظمة الشرق أوسطية غير الديمقراطية للحصول على امتيازات أكثر إلى حين التسوية الكبرى حين يتمكن الغرب من وضع قدمه في آسيا الوسطى، وفي السواحل اليابانية وعند القطب الشمالي قبيل التخلي عن أنظمة الشرق الأوسط.
باختصار، فإن التقرير يرى أن ديناميكية الأمن تعمل وفق مستويين: محلي واقليمي لأن الأمن القومي يتسم بدرجة عالية من الترابط والتشابك بين الدول خصوصاً في الدول الحمائية وذات الاقتصاد الريعي والدول السلطوية التي تعتمد على الأمن الخارجي. وفي الأمن السياسي، ستكون العديد من الدول مهددة داخلياً وخارجياً جراء تهديدات لأيديولوجية الدولة مع زيادة مناسيب القمع المدني وتغيير الهوية الوطنية وزيادة الهويات العرقية والثقافية.