كتاب

نحو «استقلالية» دائرة إشهار الذمة المالية

في سياق الجهود الوطنية لمكافحة الفساد، أصدرت الدولة الأردنية عددا من القوانين ذات الصلة بمتابعة أي نمو غير طبيعي في الذمة المالية لكبار موظفي الدولة، وذلك بدءاً من قانون إشهار الذمة المالية لعام 2006 الذي حل محله قانون الكسب غير المشروع الحالي لعام 2014. وعلى الرغم من جدية الإجراءات التي فرضتها هذه التشريعات الوطنية في مجال التصريح عن الأموال المنقولة وغير المنقولة لموظفي الفئات العليا من وزراء ونواب وأعيان ورؤساء الهيئات المستقلة ومتابعة أي زيادة عليها لا تتناسب مع مواردهم المالية، إلا أنه لم يسبق وأن حُر?ت دعوى الحق العام في مواجهة أي من المشمولين بأحكام القانون سواء فيما يتعلق بعدم تقديم إشعارات الذمة المالية الخاصة بهم، أو وجود إدعاءات باستغلالهم الوظيفة العامة لتحقيق زيادة غير مشروعة في ذممهم المالية.

وتبقى المشكلة الأساسية على صعيد إجراءات الكشف عن الذمة المالية في الأردن أن الدائرة المعنية بمتابعة تنفيذ أحكام القانون – وتسمى دائرة إشهار الذمة المالية – تفتقر لأي استقلال مالي أو إداري لغايات تمكينها من القيام بدورها كجهة رقابية وتنفيذية لنصوص قانون الكسب غير المشروع. فهذه الدائرة ترتبط بوزير العدل بموجب أحكام القانون، بمعنى أنها تتبع للسلطة التنفيذية، وهذا من شأنه أن يحد من رقابتها على التزام الوزراء بواجب تقديم نماذج إشهار الذمة المالية عند تعيينهم في المنصب العام وبشكل دوري مستمر. كما أن ما يؤثر سلبا?في عمل هذه الدائرة أنها برئاسة قاضي تمييز يسميه المجلس القضائي، يمارس مهام هذه الدائرة إلى جانب عمله القضائي في أعلى محكمة نظامية في الأردن.

إن إقحام السلطة القضائية في أعمال إدارية تتعلق بإرسال نماذج إشهار الذمة المالية إلى المشمولين بأحكام القانون ومتابعة استلامها خلال مدد زمنية محددة، وتبليغ كل من يتخلف عن تقديم الإقرارات في موعدها المقرر يتعارض مع طبيعة المهام التي رسمها المشرع الدستوري للقضاء النظامي في الأردن، فالمادة (102) من الدستور تنص بالقول أن المحاكم النظامية في المملكة الأردنية الهاشمية تمارس حق القضاء على جميع الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية بما فيها الدعاوى التي تقيمها الحكومة أو تقام عليها.

كما أن اسناد مهمة متابعة تنفيذ قانون الكسب غير المشروع لأحد أفراد السلطة القضائية بصفته الوظيفية يتعارض مع معايير المحاكمة العادلة، ذلك أن المنازعات المتعلقة بمخالفة أحكام هذا القانون ستحال إلى القضاء نفسه للفصل فيها، وفي هذه الحالة ستجتمع في السلطة القضائية صفتا الخصم والحكم في آن واحد.

إن استقلالية السلطة القضائية المكرسة في المادة (27) من الدستور تستلزم بالضرورة إبعاد هذه السلطة والعاملين فيها عن أي مهام إدارية مهما كان نوعها، وتفريغهم الكامل لممارسة دورهم الدستوري في الفصل في المنازعات بين الأفراد.

أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com