المحامي الدكتور محمد عبدالله الظاهر
إن الشعوب لا تنهض إلا بالعلم والمعرفة، ولذلك كانت رسالة المعلم من أسمى وأشرف الرسالات، التي من خلالها يبرز دور المعلم في صنع الأجيال، وبنائها بناءً نفسياً وعلمياً وفكرياً سليماً، حتى تتمكن من الارتقاء بأمتها، وبواقعها إلى المستوى اللائق، ولسنا في هذا المقام بصدد تكريس ما تحويه رسالة التعليم من مضامين ترتبط بعظم وسمو دور المعلم، فالكل يجمع على ان رسالة المعلم من أسمى وأشرف الرسالات، وأمانة من أعظم وأثقل الأمانات، ويكفينا القول اننا جميعا من صنع يديه ونقدم له كل الشكر والاحترام والتقدير.
ولكون التعليم رسالة وليس مجرد مهنة، فإن على المعلم أن يعي تماماً دوره السامي، ويتحرك بدافع ذاتي إدراكا منه لعظم رسالته التي يسعى لتحقيقها، ولذلك يتعين عليه أن يتفاعل مع قضايا الناس والمجتمع ويتعايش معهم ومع معاناتهم، ولا يغفل عنها عند القيام بواجبه الوظيفي، فالمعلم المؤمن برسالته لا يربط بين جهده وعطائه، ما يحصل عليه من مردود مادي ومعنوي، إذ مهما بلغ هذا المردود، لا يمكن أن يكون سبيلاً لتقييم الرسالة التي يؤديها.
وانطلاقاً من قدسية الرسالة التعليمية التي توجب أن يكون المعلم هو القدوة، فقد كان لزاماً عليه أن يدرك متطلبات المهنة التي تشرّف بها، بوصفها أمانة ورسالة سامية، اذ تقف عليها أجيال تنتظر منها الأمة ان تكون أجيالاً تتربى على القيم والمبادئ الأخلاقية السوية، وأن تتعلم معنى الانتماء والمواطنة الحقة، حتى تتمكن من بناء الوطن والمجتمع.
وبعيداً عن الدخول في السجال القائم بين نقابة المعلمين والحكومة، حول أحقية مطالب النقابة وتوقيتها، فإننا نؤكد أن الضرورات الاقتصادية لا تبيح المحظورات التربوية، إذ من غير المقبول التذرع بأي سبب لإنكار مضامين الرسالة التعليمية وضربها عرض الحائط، فمصلحة الطالب يجب أن تبقى هي العليا، بحيث يتوجب المحافظة على متطلبات العملية التربوية ورعاية مصلحة الطالب وعدم الإضرار بحقه في التعلم، كما لا تبيح الضرورات الاقتصادية والمطالبات المالية التجرؤ على سيادة الدولة وهيبتها ومحاولة الظهور بمظهر الند لها، فالمسألة لا يجب أن تعالج على أنها معركة، سيما وأن الاجراءات التي تبنتها نقابة المعلمين المتمثله باعلان الاضراب وتنفيذه ألحق ويلحق ضرراً بمصلحة الطلبة وحقهم في التعليم، فضلا عن أنه أسلوبٌ غير مشروع في تبني مطالب المعلمين، بل ويشكل مخالفة لأحكام نظام الخدمة المدنية وقانون نقابة المعلمين، إذ تنص المادة (67) الفقرة (ب) من نظام الخدمة المدنية رقم (82) لسنة 2013 وتعديلاته على أن الوظيفة العامة مسؤولية وأمانة لخدمة المواطن والمجتمع تحكمها وتوجه مسيرتها القيم الدينية والوطنية والقومية للحضارة العربية والإنسانية وتحرص على إرساء معايير وقواعد ومبادئ أخلاقية تحكم آداب الوظيفة العامة وقيم ثقافية مهنية عالية لدى موظفي الخدمة المدنية وتعزز إلزامهم بهذه المعايير والقواعد والقيم وتخلق الثقة والتقدير لدى المواطن ومتلقي الخدمة العامة بعمل الدوائر وتبني حالة من الاحترام والتقدير لدورها في توفير الخدمات بأفضل طريقة ممكنة للمواطن والمجتمع على حد سواء، ومن أجل تحقيق ذلك فإن على الموظف الالتزام بأوقات الدوام الرسمي وأداء مهام وواجبات وظيفته الموكلة إليه بنشاط وأمانة ودقة، مع جواز تكليفه بالعمل لأكثر من الساعات المقررة للدوام الرسمي بما في ذلك أيام العطل والأعياد الرسمية إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك، كما قضت الفقرة (ج) من المادة (68) من النظام ذاته بأنه يحظر على الموظف وتحت طائلة المسؤولية التأديبية الإقدام على ترك العمل أو التوقف عنه دون إذن مسبق، واستغلال وظيفته لخدمة أغراض أو أهداف أو مصالح حزبية أو القيام أو الاشتراك في أي مظاهرة أو إضراب أو اعتصام أو التحريض عليها أو أي عمل يمس بأمن الدولة ومصالحها، أو يضر أو يعطل مصالح المواطنين والمجتمع والدولة، كذلك فقد ألزمت المادة (5) من قانون نقابة المعلمين رقم (14) لسنة 2011 وتعديلاته النقابة بالمحافظة على متطلبات العملية التربوية ورعاية مصلحة الطالب وعدم الإضرار بحقه في التعلم، كما ألزمتها بضرورة مراعاة أحكام قانون التربية والتعليـم ونظام الخدمة المدنية والتشريعات الأخرى وعدم ممارسة الأنشطة الحزبية أو التدخل في سياسات التعليم والمناهج والبرامج والمعايير المهنية وشروط مزاولة مهنة التعليم والمسار المهني والوظيفي للمعلمين، والالتزام باللجوء إلى الأساليب المشروعة في تبني مطالب المعلمين وخاصة الحوار.
إن موقف نقابة المعلمين في التعامل مع الحالة الراهنة يفسح المجال أمام الكثير من المتربصين بهذا الوطن بمؤسساته وهيئاته ونقاباته، لركوب الموجه وتحقيق أجندات ومآرب خاصة، وهو ما لمسناه جليا من خلال التراشق الاعلامي والمداخلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، ولذلك كان على النقابة أن لا تتبنى موضوع العلاوات على أنه معركة كسر عظم مع الحكومة وتعمل على تجييش منتسبيها من خلال تنفيذ إضراب غير مشروع، خاصة وأن الحكومة قادرة على تحريك دعوى قضائية لحل مجلس النقابة استنادا لأحكام المادة 27/2 من قانون نقابة المعلمين التي تنص على إمكانية حل مجلس النقابة «بقرار قضائي قطعي إذا خالف المجلس احكام هذا القانون.
وأخيرا فإن هذه دعوة لنقابة المعلمين التي نجل ونحترم، إلى الاحتكام للغة الحوار والالتزام بأحكام قانونها والمحافظة على متطلبات العملية التربوية ورعاية مصلحة الطلبة وعدم الإضرار بحقهم في التعلم، والمبادرة إلى إتخاذ الأساليب المشروعة في تبني مطالب منتسبيها وخاصة الحوار.