يبتعد الملك عن المنهج الإملائي في تعامله مع كثير من الشؤون مفضلاً ترسيخ مفاهيم الانفتاح والمشاركة على أرضية النقاش المخلص والبناء، وبجانب الأوراق النقاشية كانت سنة الملك دعوة مجموعة من الشخصيات الوطنية بصورة شبه دورية ليدفع أمامهم بكل شفافية وصراحة آخر المستجدات والتحديات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ويبدي أقصى درجات التفهم والتفاعل مع آرائهم كما تحدث وأشاد كثير ممن أتيحت لهم الفرصة للقاء الملك، ولعل هذه المشاهد تبدو مستغربة في إطار المنطقة العربية التي تفضل السياق الإملائي والإنشائي في الخطاب السياسي إلا أنها ليست غريبة عن مدرسة الحكم الهاشمية التي استطاعت أن تمنح مفهوم الشورى العميق في تراثنا الحضاري أبعاداً معاصرة في نسخة متفردة من الديمقراطية الواثقة والمقابلة للبناء والتطوير.
يحمل الملك ثقة عميقة في الدولة الأردنية ومؤسساتها، وفي وعي المواطن الأردني وفطنته، وفي الوقت نفسه يدرك احتشاد التحديات وتواصل حالة اللا يقين التي تحكم الإقليم بأسره وتلقي بظلالها على الأردن ومواطنيه، ويقدر حالات الاجتهاد المعرضة للصواب والخطأ في هذه الأجواء المضطربة، إلا أن الملك لا يقبل أن يكون المواطن البسيط هو الحلقة الأضعف في هذه الظروف، ويسعى لإغلاق التبريرات والأعذار التي مهما بدت منطقية ووجيهة فإنها لا تصادر الحلول الإبداعية والمطلوبة بصورة عاجلة.
يوجه الملك الحكومة بوضوح إلى التركيز على الاستثمار ويطالبها بأن تضع عن عاتقها عشرات السيناريوهات مؤكداً على ثقته في متانة بنيان الأردن وقدرته على الاستثمار لانتزاع اعجاب العالم قاصيه ودانيه بإمكانية الصمود والازدهار.
الاستثمار ليس غاية في ذاته، ولكنه مدخل ناجع لتوفير فرص العمل والنهوض بالثروة البشرية في الأردن، وتأسيساً على ذلك فالمطلوب استثمار نوعي يركز على قضايا التشغيل واستغلال المزايا النسبية في الأردن، وعلى درجة من الاتساع التي تضمن وصول نتائجه وثماره إلى الشريحة الأوسع من الأردنيين، مع ما يتطلبه ذلك من تسهيل وتبسيط الإجراءات وخلق بيئات محفزة للمستثمرين.
يحض الملك الحكومة على تقديم التسهيلات للمستثمرين المحليين والأجانب، ويلفت انتباهها إلى ضرورة رسملة مؤتمراتها التي استضافت المغتربين الأردنيين المبدعين في صورة إجراءات تمكنهم من توجيه استثماراتهم وخبراتهم وعلاقاتهم لمصلحة الأردن، خاصة أن الملك عادة ما يخصص من وقته في زياراته الخارجية للقاء المغتربين الأردنيين ويعرف تطلعاتهم وتحفظاتهم أيضاً، وتوجيه الملك اليوم يحدد معالم واضحة ويعطي إشارة البدء ويشيع كل الطمأنينة، فمتى تبدأون؟
مواضيع ذات صلة