د. شهاب المكاحله
قبل أيام كنا في نقاش في أحد مراكز الفكر والبحوث الأميركية الكبرى عن الإعلام في العالم العربي وأسباب تراجعه. وكانت مداخلتي تتلخص في عدة نقاط تصف الأزمة الإعلامية في عصر منصات التواصل الاجتماعي. فقد ركزتُ على ظاهرة تراجع الإعلام المملوك للحكومات من حيث البرامج وقدرتها على التأثير على المتلقي أو الجمهور بسبب اعتماد الفئة الكبرى من المجتمع وهم الشباب في العالم العربي الذين يشكلون أكثر من 70 بالمئة على الإعلام الجديد والتواصل الاجتماعي مع انتشار ظاهرة الإعلام الخاص على حساب رقعة الإعلام الحكومي الذي يعاني من عجوزات مالية كبيرة وضعف إدارة وترهل وظيفي وفني وصحفي.
وكان التركيز في ورقتي على أن تراجع الأداء الإعلامي في العالم العربي يعود إلى عدم قدرة المسؤولين الحكوميين على التفاعل الإيجابي مع وسائل الإعلام وعدم وجود نهج واضح للتعاطي مع وسائل الإعلام الاجتماعي، ما أثر بالتالي على الرسائل المراد إيصالها إلى الجمهور. وهنا لا بد من التأكيد على أن الإعلام في العالم العربي سعى دوماً إلى صناعة الإعلام لا صناعة التأثير الإعلامي وهذا يتطلب المزيد من الإنفاق المالي على التدريب الإعلامي للوصول إلى التأثير المجتمعي الذي يُسهم في تغيير سلوك الجمهور بشكل إيجابي.
فقد ازدادت في الآونة الأخيرة أعداد الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية والفضائيات التي تبث من الداخل ومن الخارج وفي الغالب يسعى مالكوها إلى حجز مقاعد لهم في الصف الأول الحكومي. كما شهدت الدول العربية مثلها مثل باقي دول العالم انتشار التكنولوجيا الحديثة التي جعلت من المواطن البسيط صحفياً بامتياز. وساهمت تلك الظاهرة في انتشار الأخبار عبر القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية عن طريق المواطن الصحفي ممن لا خبرة صحفية له، ما أدى إلى بث الفوضى الإعلامية علما بأن معظم هؤلاء طامحون في الشأن السياسي ولا خبرة سياسية إعلامية لديهم فعملوا على توظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمتهم ومن ثم توظيف الصحافة والإعلام لخدمة السياسة أو السياسيين طمعا في مناصب أو مكافآت.
أغلب القنوات الفضائية العربية تراجعت عدة مراتب بسبب غياب صدقيتها مما أفقدها التأثير على المتلقي أو المشاهد أو المتابع أو القارئ. كما تراجعت نوعية البرامج التي تقدم على الشاشة واقتصرت على حواريات ترفيهية ترويجية وخطب لا عقلانية تروج لفلان أو لحزب على آخر لحماية المكاسب السياسية والاقتصادية للممولين أو القائمين على تلك المحطات نظراً لتمويلهم لتلك الوسائل الإعلامية.
كما أن الإعلام الحكومي والخاص وإن بدا أنه ممول من شخصيات اقتصادية ورجال أعمال فإنه في الغالب يدور في فلك الحكومة ويدافع عنها. فلم تتطور مضامين البرامج على المحطات الحكومية والخاصة وهذا الأمر ينطبق على الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في غياب حيادية الإعلام ما يتعارض مع قواعد الصحافة والإعلام.