بلال حسن التل
كثر الحديث في بلدنا عن الإصلاح بمجالاته المختلفة، لكن أحداً لا يذكر أن الإصلاح يحتاج إلى نخب من الصالحين المصلحين، القادرين على تحقيقه، تمتلك رؤية ومشروعا نابعين من معرفة مبنية على تجربة عملية مستمدة من تجربتنا الوطنية، وهو أمر غير متوفر في بلدنا، بسبب غياب الأطر الحقيقية القادرة على إعداد النخب وفرز القيادات كالأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والإدارة العامة القوية والعشائر والعائلات ذات التاريخ والدور السياسيين، وهي الأطر التي كانت فاعلة في بلدنا وقادرة على رفد الحياة العامة فيه بالنخب والقيادات، قبل أن تجري عملية إضعاف لها، انعكست ضعفاً شديداً على الحياة العامة، وفقراً في القيادات والنخب القادرة على حمل مشاريع الإصلاح وتحقيقها.
ولأن الإصلاح يحتاج إلى نخب قادرة على اجتراح مشروعه وحمله، فإن العمل لبناء هذه النخب يجب أن يتقدم على ما سواه، بما في ذلك الحديث على ما صار يُعرف بقوانين الإصلاح التي كثر الحديث عنها في بلدنا منذ مايزيد عن الثلاثة عقود، خاصة قانوني الانتخاب والأحزاب، حيث صدر خلال العقود الثلاثة الماضية أكثر من قانون للانتخابات وكذلك للأحزاب، أدخلت عليها الكثير من التعديلات، ومع ذلك زادت الأمور تراجعاً، لأن الخلل الحقيقي الذي يحول دون تحقيق الإصلاح المنشود في بلدنا يكمن في النفوس وليس في النصوص، فالنصوص لا تصنع تحولات المجتمعات، إذا لم تحملها نفوس ذات همم عالية مسكونة بهموم الوطن، نفوس قادرة على وضع مشاريع الإصلاح وحملها ودفع ضريبتها، وهو الأمر غير المتوفر في بلدنا، بعد أن آلت الأمور فيه إلى «مجاميع» من الظلم تسميتها بـ"نخب» لأنها في غالبيتها ليس لديها مشروع وطني قابل للتطبيق، وليس لديها برامج عمل، ولم يصل أفرادها إلى الحياة العامة عبر أطر سليمة لإعداد وفرز القيادات، بعد أن غابت هذه الأطر عن بلدنا أو غيبت، واستبدلت بولائم وسهرات النميمة وبجاهات الأعراس وبمظهر الرياء الاجتماعي في الأفراح والأتراح، وبشللية قائمة على مصالح فردية، تجمع أعضاءها الولائم وتربطهم الغنائم وتفرقهم المغارم، وهذه قنوات غير قادرة على بناء نخب وفرز قادة لديهم مشاريع إصلاح، فجل ما يمكن أن تقدمه هذه القنوات شلل من الموظفين الكبار هم في حقيقتهم مخاتير يرتدون بدلات وربطات عنق، ويحفظون مايناسب مناسبات الأفراح والأتراح من معسول الكلام والرياء الاجتماعي وما يناسب السهرات من أحاديث النميمة، لذلك لاغرابة في أن يهون العمل العام في بلدنا إلى الدرجة التي سامه فيها كل مفلس، فصرنا نعيش زمن الرويبضة الذي يتحدث فيه التافه بالأمور العامة، كنتيجة حتمية لغياب النخبة السياسية وقنوات إعدادها وفرزها.
لذلك فإن بناء النخب من خلال إصلاح مؤسسات إعداد وبفرز القيادات والنخب في بلدنا يجب أن يكون أولوية تتقدم على ما سواها عند كل مخلص لهذا الوطن، لأن هذا هو المدخل الحقيقي لتحويل النصوص الجميلة في وثائقنا المختلفة إلى واقع نعيشه لا مجرد أماني نتمناها ودعوات لا نستطيع تلبية احتياجاتها
[email protected]