د. فايز الربيع
بناء على طلب كثير من الأصدقاء والزملاء طلب مني أن أواصل الكتابة عن الدراسة في بغداد، لأنها تمثل فترة من حياة الكثيرين الذين درسوا في بغداد، وترجعهم إلى ماضٍ يحنون إليه.
كانت الأقسام الداخلية في راغبة خاتون، الأعظمية، تحتاج إلى صيانة، ولذلك طلب منا مؤقتاً أن ننتقل إلى المدينة الجامعية خارج بغداد حيث كانت تبعد حوالي ثلاثين كيلومتراً تمر من جانبها قناة ماء. وربما كان أسمها مدينة الثورة، أمامها غابة من شجر الكينا، كانت الأرانب تقفز بينها والعصافير تطربك بصوتها.
قلت إننا كنا نمثل جامعة شعوب عربية، فينا الأردني واليماني والفلسطيني والكويتي والتونسي والجزائري وجنسيات أخرى. كان من أصدقائي في هذه الفترة الدكتور عبد الرحمن السميط، الذي توفي قبل سنوات، وهو داعية فيما بعد كرس حياته للعمل في أفريقيا وأسلم على يديه عشرات الآلاف وبنى مئات المدارس والمساجد والجامعات وآبار المياه، أذكر أنه طلب مني في احدى الليالي الرمضانية أن يفطر على (ملفوف) وكنا قد أتقنا الطبخ، فعملت له ما أراد، ومنهم الدكتور أحمد عبد الملك الاصبحي، الذي أصبح فيما بعد وزيراً لخارجية اليمن. كنت أستضيف مؤقتاً بعض الطلبة الأردنيين إلى أن يتم تأمين سكن لهم.
انتهت الإصلاحات في القسم الداخلي، وعدنا إلى القسم الخامس، كان ذلك عام ١٩٦٧، حيث بدأت حرب حزيران، تحلقنا حول المذياع لنسمع ما يجري وفي اليوم التالي طلب من طلبة الجامعة التطوع، في فزعة ربما عاطفية غير منظمة، وتطبيقاً للشعارات التي كنا نؤمن بها، تطوعنا كمجموعات عربية وعراقية، وبدأنا التدريب، وما أن بدأنا حتى انتهت الحرب، كنا قلقين على أهلنا في الأردن، حيث كان الأهل يسكنون على ضفاف نهر الأردن في جسر الملك حسين، واضطروا بناءً على طلب القوات المسلحة الأردنية أن يتركوا المنطقة لأنها أصبحت منطقة عسكرية.
كان الشباب في ذلك الوقت في منتهى الحماس، كنا نعتقد أن النصر كان قاب قوسين أو أدنى، وأننا على أبواب التحرير، كان أغلب الطلبة ينتمون إلى تيارات سياسية أبرزها القومية والاشتراكية والإسلامية ولكننا كنا متفقين على أساسيات القضية الفلسطينية، وأن العدو المشترك هو إسرائيل والصهيونية، ولم يكن الاحتراب العربي وارداً، ولا مفهوم السنة والشيعة، وإنما التيارات التي تجمع كل هؤلاء، بدأنا نعد العدة للسفر الى الأردن لنتابع ما يجري على أرض الواقع، وللحديث بقية.
[email protected]