وفي مقال عن أمسية الفحيص تلك كتبت في (الرأي) (21 تموز 2012) كلاما من القلب عن الفرح الذي كنا نحس به ونحن نتجول ليلاً في الشوارع والازقة النظيفة التي تغمرها الانوار الملونة وتنطلق الموسيقى والاغاني من المطاعم الصغيرة العديدة المتناثرة بين بيوتها، وقد بدت لي يومها كاحدى القرى الايطالية الصغيرة التي زرتها ذات مرة وكانت تعج بالسواح والزائرين الذين يرقصون ويغنون في ساحاتها وسط ترحيب غير متكلف من قبل اهلها.
قبل أيام وفي قيظ الظهيرة توجهت للترويح عن النفس مع بعض افراد عائلتي الى هناك، الى الفحيص، فادهشتني وقد غدت اجمل من ذي قبل وأنظف، واكثر ترحيباً وحدباً، وحين دلفنا الى (الحوش) وهو مطعم صغير في فناء منزل قديم عمره مئتا عام رممه مالكوه وحافظوا على روحه التراثية، جلسنا في ظل ظليل من حديقته تحت شجيرات مزهرة واشجار فواكه يتدلى من احداها مشمش بلدي يانع يغريك بقطفه، ومن اخرى تينٌ على وشك النضوج يعدك بثمار أشهى من العسل في زيارتك التالية..!
وبعد.. فبقدر ما أسعدتني زيارتي الأخيرة للفحيص شعرت بمرارة في حلقي من حالة قرى ومدن أخرى في هذا الوطن لا تقل عنها جمالاً في الموقع والطبيعة لكن اهلها لم يتقبلوا بعد ان مفهوم السياحة الحقيقية لا يعني الاسترخاء الكسول على مدى عقود وعقود انتظاراً لمشاريع مصطنعة ومكلفة (للفرجة) على الجبال والغابات او التجول بين الاعمدة التاريخية واسوار القلاع القديمة بل يعني انها تنتعش بفعل سواعدهم وانفتاح عقولهم وقلوبهم كي تدر دخلا وفيراً وتحتفظ بابنائهم وبناتهم للعمل فيها بدل الهجرة الى الخارج، وسر السياحة يكمن في ثقافتها حين تصبح جزءا من حياتهم الطبيعية ومن كرم اخلاقهم..
