كتاب

هل التمكّن من اللغة الأمّ يمنع اكتساب لغة أخرى؟!

ينظر كثير من المسؤولين وأصحاب القرار في كثير من بلدان الوطن العربي إلى المتخصّصين باللغة العربيّة وآدابها وإلى من يدّرسون اللغة العربيّة في المدارس والجامعات على أنّهم لا يعرفون من الدنيا غير النحو والصرف والإملاء والعروض والبلاغة وسائر مسائل اللغة العربيّة وآدابها، إلى درجة أنّ الصورة النمطية في أذهان الناس عن هؤلاء المدرّسين أو الذين يؤثرون الحديث بالعربيّة الفصيحة أنّ حدود معرفتهم هي الكسرة والضمّة والفتحة والسكون، ولذلك يصفون من يتحدث العربيّة الفصيحة أنّه يتكلّم (بالنحوي).

وبلغ الأمر بالمسؤولين في الدول العربيّة أنّهم لا يمكن أن يتخيلّوا أنّ من يتحدّث العربيّة الفصيحة يمكن أن يتعلّم لغة أخرى أو يتحدث بها، حتّى شاع هذا الوهم شيوعاً كبيراً وأصبح يحكم على من يحمل شهادة في اللغة العربيّة وآدابها أنّه لا يصلح لأيّ عمل آخر كونه لا يمكن أن يعرف اللغة الإنجليزية مثلاً التي تشترط إجادتها لكلّ الوظائف في هذه الأيّام.

لقد غاب عن بال كثير ممّن يتوهّمون ذلك أنّ هنالك الكثير من كبار أعلام العربيّة قديماً وحديثاً من أمثال طه حسين وصلاح فضل ومحمود علي مكّي وناصر الدين الأسد ومحمود السمرة ويوسف بكّار ممّن أتقنوا لغاتٍ أخرى أوروبّية وشرقية إتقاناً لا يقلّ عن إتفانهم للغة العربيّة.

والذي أراه في ذلك أنّ من يستطيع أن يتقن اللغة العربيّة بقواعدها الدقيقة جدّاً وتشعّباتها واستخداماتها ودلالاتها لا يعجزه أن يتقن أيّ لغةٍ أخرى مهما كانت صعبة، وقد ثبت بالشواهد والأدلّة الكثيرة أنّ الذين تعلّموا لغات أخرى من علماء العربيّة قد أجادوا تعلّمها إلى درجة عالية، ومن الأمثلة على ذلك من القدماء أبو حّيان الغرناطي الذي عاش في القرن الثامن الهجري، فقد كان إلى جانب استغراقه في دراسة اللغة العربيّة كان يتقن عدة لغات كالتركية والحبشية، وقد ألف فيها كتباً.

ويستنتج من ذلك أنّ إتقان اللغة الأمّ يساعد كثيراً على إتقان لغات أخرى، ما لم يكتف المتخصّص بالتعمّق في معرفة لغته الأمّ والاستغناء عن غيرها.

salahjarrar@hotmail.com