بلال حسن التل
فيما كان علماء وباحثو مركز الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للتصميم والتطوير «كادبي» يقصّون بشغف العاشق المزهو قصة بناء هذا الصرح الأردني العملاق، لوفد جماعة عمان لحوارات المستقبل الزائر للمركز، في إطار برنامج ملك الإنجاز الذي تنفذه الجماعة، كجزء من مبادرتها الإنجاز في مواجهة الإحباط والتشكيك. في هذه الأثناء كانت جملة من الحقائق تطل برأسها من خلال الشرح الذي كنا نستمع إليه، والتي تصب كلها في تأكيد قناعتنا بأن هناك في بلدنا إنجازاً حقيقياً يحق لنا أن نفتخر به بدلاً من أن نلطخه بالإشاعات.
أول هذه الحقائق التي أطلت برأسها من ثنايا قصة «كادبي»، هي طبيعة التفكير الاستراتيجي بعيد المدى لقائد الوطن، وتوق جلالته إلى تحقيق الاعتماد على الذات من خلال التطوير العلمي المدروس لقدراتنا وإمكانياتنا البشرية منها والمادية، لذلك بادر جلالته ومنذ السنة الأولى لتوليه سلطاته الدستورية إلى تأسيس مركز الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للتصميم والتطوير، وظل جلالته يرعاه منذ أن كان فكرةً في عقل جلالته إلى أن صار شاباً اشتد عوده واستوى على ساقيه وصار قادراً على النزال والمنافسة.
يتجسد البعد الاستراتيجي في تفكير جلالته من خلال تأسيسه لـ «كادبي» في أن جلالته هدِف إلى عدم إخضاع حاجات قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية إلى تقلبات السياسة وابتزازها، فسعى إلى إقامة مصانع صارت تنتج بالتدريج الكثير من حاجات هذه المؤسسات الاستراتيجية، وهي منتجات دخل الكثير منها حيز الخدمة الفعلية فيما بعضها انتهت دراسته وصار جاهزاً للإنتاج.
لم تتوقف عملية تطوير وتصميم وإنتاج مصانع كادبي المتعددة عند حدود الألبسة الواقية، والأحذية المناسبة لكل المناخات والتضاريس، ولا عند أجهزة الرؤية والاستكشاف ذات الاستخدامات العسكرية والأمنية، بل دخلت في عوالم إنتاج الذخائر وتطوير المعدات العسكرية والأمنية، فكثيرة هي المعدات التي طورها علماء «كادبي»، والتي دخلت من خلالها الأسماء العربية قاموس الآليات العسكرية كالمارد، والوحش، والجواد، والفارس، والحارس، والمغوار، والغزال، والوشق، والوشق 4، وكلها معدات عسكرية طورها علماء كادبي، فصارت أكثر رشاقة وقدرة على الحركة وأكثر حماية لجنودها وأكثر دقة في إصابتها، فذاع صيتها وصارت العديد من الجيوش والأجهزة الأمنية في العالم تطلبها وتتعاقد على شرائها من كادبي، أي أن لكادبي دوراً اقتصادياً علاوة على دوره الاستراتيجي المتميز، وهو دور متعدد الأوجه فمنتجات مصانع كادبي تغني عن استيراد جزء من حاجاتنا الوطنية مما يعني وفراً اقتصادياً، وجزء آخر من هذه المنتجات يباع في الأسواق الخارجية مما يعني دخلاً وطنياً بالعملات الصعبة، هذا بالإضافة إلى فرص العمل التي توفرها كادبي لأبناء المنطقة. وهذا الدور الاقتصادي واحد من تجليات التفكير الاستراتيجي الذي أثمر كادبي والكثير من مؤسسات الوطن التي نجهلها فنظلمها، ونظلم أنفسنا وقبل ذلك نظلم وطننا.
[email protected]