بلال حسن التل
يعيش بلدنا عددا من الظواهر التي تشكل ناقوس خطر، لإعلان حالة نفير وطني لإصلاح منظومتنا القيمية والتربوية، التي تعاني من خلل كبير، وهذه حقيقة كبرى يجب التعاطي معها بجدية وبحزم، فهي أهم من الحديث عن أسس تشكيل الحكومات، وأهم من السعي للوصول إلى قانون انتخابات عصري، وأهم من الحديث عن التشريعات الناظمة لمجمل الحراك السياسي في بلدنا، فهذه كلها نتاج القيم التربوية والأخلاقية السائدة في المجتمع، فاختلال القيم هو الذي يؤدي إلى اختلال ما سواها.
إن مما يعزز هذه الدعوة لبناء منظومتنا التربوية والقيمية، أنّ غالبيتنا الساحقة تعترف بصورة أو أخرى بحجم التدهور الأخلاقي في بلدنا، الذي أنتج إفرازات شاذة مثل عروض «ليلى» ومهرجان «البيجاما» وغيرها من المسميات، التي تؤشر إلى أن شبابنا هم أول ضحايا الخلل في منظومتنا القيمية والتربوية، أما الضحية الأخطر لهذا الخلل فهي غياب الانتماء، ابتداءً من الانتماء للوطن وصولاً إلى الانتماء للوظيفة، وما بينهما من مكونات الدولة والمجتمع.
كثيرة هي مظاهر الخلل في منظومتنا الأخلاقية والقيمية، من أبرزها هذا الحجم الكبير من النفاق، الذي يسيطر على مفاصل حياتنا السياسية والاجتماعية، فيمنعنا من الاعتراف بأمراضنا، بل ويزينها لنا، ونتيجة لهذا النفاق انتشرت الكثير من العيوب والأمراض الاجتماعية بيننا، وأغمضنا عيوننا عن الكثير من الأخطار التي تهددنا، وصرنا نخدع أنفسنا بأن كل شيء يسير على خير وجه، بل صرنا نُزين صورتنا الإعلامية لنخدع أنفسنا عن الكثير من البشاعات التي تشوه واقعنا، حتى إذا واجهتنا واقعة شاذة استيقظنا برهة ثم عاودنا سيرتنا الأولى.
ولأن انهيار منظومة الأخلاق في مجتمعنا هو أساس البلاء للكثير من مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والإدارية، فقد صار من الضروري أن يشهد بلدنا ثورة أخلاقية تعيد بناء منظومتنا القيمية والتربوية، ومن ثم التصدي لمن يخرج عليها لطردهم من حياتنا، أو في أسوأ الظروف لحصرهم في المساحة الضيقة القادرة على الحد من خطرهم على سلوكنا فهو نتاج منظومة القيم وثقافتها، ولذلك لا نستغرب أن تزدهر في ظل ثقافة النفاق السائدة في مجتمعنا سلوكيات الخروج على القانون بأشكاله المتعددة، ابتداءً من الواسطة والمحسوبية وصولاً إلى الابتزاز والرشوة والسرقة والسطو على المال العام، وصولاً إلى مخالفة القانون، الذي يجب أن تكون الحكومة أولاً من يتوقف عن هذه المخالفات، فالحكومات تمثل القدوة لمجتمعاتها، وعندما تفسد الحكومة تفسد الرعية، وقد صار لزاماً أن تهتم حكوماتنا بسلوك أعضائها، فتوقف هي ممارسة النفاق برفضه، وترفض السلوك المعوج، فالتربية بالقدوة هي أفضل وسائل التربية، وقد آن الأوان بأن تضرب الحكومة من سلوكها مثلاً ليستقيم المواطن ويحترم المنظومة القانونية كجزء من المنظومة الأخلاقية.
[email protected]