تعد عملية دراسة الأوضاع العربية في الظروف الحالية، وتقييمها في إطار التغييرات التي شملت المناخ الدولي والشكل العام الجديد للخريطة الشرق أوسطية وتحديداً منطقتنا العربية، ضرورة مهمة وملحة في مواجهة الأخطار التي تواجه الدول العربية بديمغرافيتها. إن هذا التصعيد المشتعل، ينبغي ألا ينظر إليه الساسة في فراغ، وإنما ضمن ما يحدث إقليمياً ودولياً. فالقضية الفلسطينية ما زالت تواجه التعنت الأميركي الإسرائيلي الذي بلغ ذروته في الآونة الأخيرة، والذي دفع إسرائيل اللجوء إلى الأساليب الماكرة كعادتها، فمهزلة (صفقة القرن) ما هي إلا فصل من فصول المسرحية الإسرائيلية الرافضة للسلام والمتمسكة بالأرض المحتلة، حيث ضربت بعرض الحائط اتفاقيات السلام مع الدول العربية وما أكثرها، والتي لم تقدم شيئاً ملموساً للعرب سوى ذر الرماد في العيون. وفي مواجهة هذا التعنت والاغتصاب للأرض والكرامة، ونقض المعاهدات والاتفاقيات المبرمة مع دول السلام في المنطقة وهي السلطة الوطنية الفلسطينية والأردن ومصر وغيرها، تقف الإدارة الأميركية بكل حزم مع هذه التوجه الإسرائيلي لتعلن حل القضية الفلسطينية لصالح طرف إسرائيل فقط، متجاهلة بذلك الحقوق المشروعة للفلسطينيين والنداءات الدولية بضرورة التمسك بحل الدولتين.
وإن افترضنا أن إدارة ترمب لديها الرغبة الحقيقية في تحريك المياه الراكدة لصالح إسرائيل، و هو الصحيح، وذلك بعدما شكل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل تحديا لمشاعر الامة العربية والاسلامية والمسيحية وايضاً لكل المشاعر الإنسانية المناهضة للاحتلال الوحيد على وجه الأرض. وفي الوقت نفسه فقد تغيرت سياسة الادارة الأميركية تماما تجاه الشرق الاوسط تغييرا جذريا، فلقد ابلغت أميركا الدول العربية بانها لا تؤمن بسياسة العدل التي كانت تمثل جانبا صغيرا من الادارات الأميركية السابقة، تجاه القضايا العربية، بل اصبحت السياسة واضحة الى ذلك الحد الذي يطالب ترمب، بسداد وتغطية التكاليف العسكرية وبالعملات الصعبة في حرب أميركا ضد عصابة داعش وفي سوريا والعراق، وبحجة حماية الخليج العربي من التغول الايراني في مناطق السنة.
وفي هذا التوجه فهو إعلان واضح في الواقع وتدعيم التوسع الإسرائيلي في المنطقة وتعزيز ضمني للنوايا العداونية الاسرائيلية، وهو امر يجب ان لا يخفى على الساسة والشعوب، كما يجب ان لا يخفى على العرب ان الولايات المتحدة الأميركية قد اتخذت من الاجراءات ما يكفل ضمان اتمام صفقة القرن، كما ضمن في السابق جيرانها، سايكس بيكو، ووعد بلفور، والنكبة و67 و2003 والشواهد عظيمة في هذا المجال.
إن هذه الاجراءات بالحقيقة هي تدعيم لجبهة وسياسة (نتن ياهو) التوسعية وتصفية القضية الفلسطينية، وان موافقة الدول الكبرى على ذلك هي موافقة ضمنية مع توفر القدرة الصاروخية والنووية التي تمكن اسرائيل من التهديد النووي المباشر لجميع العواصم العربية، بمشارقها ومغاربها مع اعتماد اسرائيل على سياسة «الاستسلام الكامل او الدمار الكامل» في حالة تطور أو تأزم الاوضاع في المنطقة بحيث تصبح العمليات العسكرية امرا محتملا في ظل التشرذم العربي.
وختاماً فإن تخلي روسيا عن سياسة العمل أو المساعدة على إنصاف الحقوق العربية ومساندتها، بين العرب واسرائيل وتخليها عن دورها كشريك راع للسلام في الشرق الاوسط ومن ثم تسليم روسيا شبه الكامل بأن اقدار هذه المنطقة تقع على عاتق الولايات المتحدة الأميركية، وحدها والتي يبدو انها قد فضلت اخيرا الاستناد الى سياسة الاستقرار بغض النظر عن التوزان في منطقة الشرق الاوسط. ان الصحيح يثبت أن الموقف الأميركي ليس مجرد موقف تكتيكي وقتي وانما مبدأ استراتيجي ثابت يتوافق مع عدوانية إسرائيل التوسعية والتغييرات الدولية الجديدة التي حدثت على الساحة العالمية.
مواضيع ذات صلة