كتاب

من إشكاليات عضويّات المجالس واللجان

تكون المجالس واللجان في الغالب عند تشكيلها عرضة للنقد والتشكيك، ولا سيّما إذا أشرف على تشكيلها شخصٌ واحدٌ يتفرّد برأيه أو يفرضه على الآخرين الذين يشاركونه الاختيار ولا يجرؤون على مخالفة رأيه حتّى لا يلحقهم ضررٌ أو أذى في عملهم نتيجة مخالفتهم رأي المسؤول الأوّل.

ومتى كان أعضاء اللّجنة أو المجلس من اختيار شخص واحد فإنهم في أغلب الأحيان يمثّلون ذلك الشخص، ويكونون في هذه الحالة نسخة مكررة عنه في آرائه ومواقفه وتوجّهاته وتقديراته، وفي هذه الحالة تنتفي الحكمة من تشكيل اللجان والمجالس ويتلاشى الهدف من المشاركة والمشورة، لأن الفائدة تتحقق عندما تتعدد الآراء وتتنوّع المقترحات ممّا يصبّ في مصلحة العمل وتطويره والارتقاء به.

وممّا يشبه هذه الإشكالية أن يكون من أعضاء اللجنة أو المجلس عضوٌ متنفذ وذو سطوة على سائر الأعضاء، إمّا لكونه أحد أقارب المسؤول أو أحد أصهاره أو أحد أصدقائه أو شريكاً له في مشروع استثماري ما، إلى غير ذلك من صور قدرته على التأثير في المسؤول الأوّل وتشكيل انطباعاته نحو كلّ عضوٍ من أعضاء اللّجنة أو المجلس، وقد يكون العضو المتنفذ صاحب ثروة طائلة وقادراً على تمويل أعمال اللجان والمجالس والضغط على قراراتها بالوسائل المالية.

وقد يكون العضو المتنفذ صاحب سلطة سياسية ولا يستطيع أحدٌ معارضته أو مخالفته في ما يعرضه من آراء أو مقترحات خلال مناقشات اللّجان والمجالس. وعلى ذلك فإنّ هذه اللّجان والمجالس تمتثل في نهاية الأمر لرغبات هؤلاء المتنفذين وآرائهم وتنتفي الحكمة من وجود هذه اللّجان أو زيادة عدد أعضائها أو تقليصه، وتتعطل العدالة والمشورة والديمقراطية وتبادل الآراء وتتحول الأمور إلى إملاءات فقط.

وأكبر شاهد على ذلك عندما تكون دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية عضواً في مجلس الأمن أو غيره من الهيئات الدولية، فإنها بحكم نفوذها الاقتصادي والعسكري والسياسي تستطيع أن تفرض آراءها على تلك المجالس والهيئات وتصبح قرارات تلك المجالس لا تمثل إلاّ الرأي الأمريكي، وتغدو قرارات مجحفة وغير عادلة ومتحيّزة انحيازاً واضحاً إلى ما يخدم مصالح الولايات المتحدة الأميركية ومصالح حلفائها فقط.

وما ينطبق على الدول في مثل هذه الحال ينطبق أيضاً على الأفراد من أصحاب النفوذ السياسي أو المالي أو الاجتماعي الذين يصادرون حقوق غيرهم من أعضاء المجالس واللّجان في التعبير عن آرائهم أو الدفاع عن مقترحاتهم، فتتحول تلك المجالس إلى أدوات لخدمة مصالحهم الشخصية ومصالح أصدقائهم وأقاربهم وشركائهم ومعارفهم.

ومن هنا فإنّه لا بدّ عند تشكيل اللّجان والمجالس من الحرص على عدم ضمّ أعضاء لها ممّن يعطّلون أعمالها ويعيقون إنجازاتها أو يعملون لخدمة مصالحهم الخاصّة بأي صورة من الصور.

salahjarrar@hotmail.com