د. أسامة الفاعوري
يقول السير ونستون تشرتشل رئيس الوزراء البريطاني الراحل أن الفرق ما بين السياسي ورجل الدولة هو «أن السياسي يُفكّر في الانتخابات المقبلة، ورجل الدولة يُفكّر في الأجيال القادمة». لو لم تكن هناك حرب، فلن تحصل على الجنرال العظيم، ولو لم تكن هناك مناسبة عظيمة، فلن تحصل على رجل دولة عظيم، ولوعاش لينكولن في زمن السلم، فلن يعرف أحد اسمه. يقوم رجل الدولة بعمل برنامج على أساس من الحقائق الأساسية القوية وغير المتغيرة، والتي يؤمن بها في جوهرها، وتتضمن فلسفته الشاملة في مواجهة الأزمنة المتغيرة والمعارضة والتحديات، وسيبقى هذا الأساس سليماً، ولكن قد يُغيّر رجل الدولة تفاصيل سياساته وأساليبه، وذلك طالما أن التكتيكات الملائمة تعمل على تعزيز مبادئه الأساسية على المدى الطويل.
لا يحكم رجل الدولة استطلاعات الرأي العام، بل يتخذ القرارات باتباع بوصلةٍ أخلاقيةٍ له متأصلة في الشعور بالحق المطلق والخطأ المطلق، فهو ليس نسبياً،عندما يعتقد أن هناك خطأ ما، فإنه يقول بوضوح أن الأمر كذلك ويفعل كل ما في وسعه لمحاربته، وعندما يكون هناك شيء صحيح، فهو على استعداد للتغلب على أي معارضةٍ للحفاظ عليه ونشره، وهو طموح بطبعه، ولكن هناك أشياء سيفعلها ببساطة، لا من أجل الوصول إلى القمة، فهو رجل النزاهة، ويتحدث عن الحقيقة، ويقود بالسلطة الأخلاقية ويمثل كل ما هو أفضل لأبناء بلده.
يمتلك رجل الدولة رؤيةً واضحةً لما يمكن أن يُصبح بلده وشعبه عليه، إنه يعرف أين يريد إيصالهم وماذا يحتاج للوصول إلى هناك، ويُعّد التبصّر إحدى أهم صفاته، لأنه يجب أن يكون قادرًا على إدراك المشكلات في الأفق، وإيجاد حلولٍ جيدةٍ على المدى القصير والمدى الطويل، ورجل الدولة لا يضع في اعتباره هنا والآن، ولكن العالم الذي سيورثه للأجيال القادمة، ولديه القدرة على بناء توافق في الآراء لتحقيق تلك الرؤية، وقد يكون للسياسي قاعدة صلبة من المبادئ والبوصلة الأخلاقية والرؤية، ولكن إذا كان يفتقر إلى القدرة على بناء إجماعٍ حول ذلك كله، فإن جهوده لتغيير السياسات والقوانين ومسار التاريخ سوف تذهب سدى إلى حد كبير، وأن نجاحه يتوقف في النهاية على قدرته على إقناع مواطني بلده بسلامة فلسفته.
يتجنب رجل الدولة الحملات الإعلامية، وبدلاً من ذلك يستخدم قوة الكلمة المكتوبة، وخاصة الكلمة المنطوقة، وهو سيّد الخطابة، وقد أتاحت له دراسته المستمرة على مدى حياته للكتب الوطنية الرائعة ودروس التاريخ، أن يتحدث إلى الناس بحجج ذكية وذات مغزى، بدلاً من تكييف خطابه مع الحالة العامة، يتحدث إلى أفضل ما هو موجود داخل الناس، مُتفهّماً أن الخطابة القوية يمكن أن تعبر وتُنشئ وتُفعِّل في بعض الأحيان مُثُلاً مُدفونة بعمق، وسلطته مستمدة من إيمانه بما يقول، إنه لا يجعل العواطف ترتفع وتحترق بوعود فارغة، ولكنه بدلاً من ذلك يفي بكلمته ويفعل ما يقول إنه سيفعله.
وأخيراً، تستند مبادئ رجل الدولة الأساسية إلى المثل العليا للحرية؛ الحرية الديمقراطية، والمساواة في ظل القانون والحرية الفردية، وقد يتبنّى رجال الدولة رؤى مختلفة عن بعضهم البعض، ولكنهم جميعاً يشتركون في تبنّي كل منهم رؤية لإعطاء مزيدٍ من الحرية للمواطنين على المدى البعيد، ويجب أن يفكر رجل الدولة من حيث المصلحة الوطنية، التي تُصّور كقوة بين قوى أخرى، والعقل الشعبي، غير المدرك للفروق الدقيقة في تفكير رجل الدولة، هوالسبب في أكثر الأحيان في المصطلحات الأخلاقية والقانونية البسيطة للخير المطلق والشر المطلق! رجل الدولة هو السياسي الذي يضع نفسه في خدمة الأمة، بينما السياسي هو رجل الدولة الذي يضع الأمة في خدمته.
[email protected]