ربما يكون الاردن هو الاستثناء الابرز والاكبر بين الاوطان والممالك وتحديدا في صيرورة الحكم وادواته، واستثاؤه هنا يكمن في جدلية العلاقة بين الجغرافيا والتاريخ من جهة وبين الحاكم من جهة اخرى، فالغالب في البلدان الاخرى ان الجغرافيا والتاريخ يمنحان الحاكم سواء اكان ملكا او رئيساً أو اميراً قيمة مضافة او قوة اضافية وبالتدليل على صحة هذه الفرضية سنجد امثلة كثيرة وعديدة، غير ان في الحالة الاردنية نجد ان الجغرافيا والتاريخ وضعا الاردن في «عين العاصفة التاريخية» وفي مواجهة تحديات القضية الصراعية الاعمق عبر التاريخ الا وهو الصراع العميق والمتصل بين العرب واليهود وما ارتبط ويرتبط به من مقدسات وتحديدا في مدينة القدس منذ «اليبوسيين» حتى الهاشميين.
هذا الواقع انعكس «كتحد» على الملوك الهاشميين في الاردن، وكل واحد من الملوك الاربعة قاسى الامرين من اجل حماية المملكة واستقرارها ونموها، غير ان المملكة الرابعة وبحكم عوامل كثيرة ازدادت التحديات التى تواجهها وتضخمت ومن أبرزها ازدياد التحدى الوجودي للمملكة في البعدين الاساسيين وهما:
أولاً: غياب التسوية العادلة للقضية الفلسطينية وفشل مشروع السلام برمته مع استمرار التطرف الاسرائيلي وتعمق حالة إسرائيل كدولة فاشية مارقة لا تعير القانون الدولي اي اعتبار، وتزامن ذلك مع بدء عهد اميركي سياسي واقتصادي وعقائدي منحاز انحيازا غير مسبوق لصالح اسرائيل مع تراجع معظم عوامل الاسناد التاريخية للأردن باختلاف انواعها السياسية والعسكرية والاقتصادية العربية منها والدولية.
ثانياً: الازمة الاقتصادية الحادة والمركبة التى يعيشها الاردن بسبب الاوضاع الاقليمية المضطربة والحروب التي جرت في الجوار العراقي وفي الجوار السوري وفي الاقليم، والتي عزلت الاقتصاد الاردني عن السوقين الاساسيين لصادراته، هذا عدا الضغوط المتاتية من الدول المانحة والمؤسسات الدولية المرتبطة بسياسات المجمع الصناعي الاميركي كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
يجد جلالة الملك نفسه اليوم أمام واقع معقد للغاية سياسياً واقتصادياً وهو واقع يفرض الاسراع في وضع خطة عنوانها «التطهير والتطوير» لمؤسسات الدولة، التطهير من «البيروقراطية المتعفنة المتكلسة»، بالاضافة للتطهير من الفساد المالي والمحسوبية، أما التطوير فهو الهدف الاستراتيجي الذي باتت مفاعيل العمل الوطني بمختلف مسمياتها بحاجة اليه وتحديداً في القطاعات الحيوية التي تهم المواطن الا وهي الصحة والتعليم والنقل بالاضافة الى الاقتصاد وقطاعاته المختلفة.
بدون «ثورة أردنية على الذات» وعلى كل المستويات والدرجات ستزداد المعاناة وتتعمق، وعلينا الاعتراف هنا أن النخب وأغلبية الحكومات المتعاقبة في العقد الاخير فشلت فشلاً ذريعاً وبقي الرهان على جلالة الملك ورؤيته في حماية الوطن ودعم صموده.
Rajatalab5@gmail.com
مواضيع ذات صلة