احمد ذيبان
منذ عشرات السنين وأنا أسمع عن فلس الريف، وكنت أنظر له مثل الكثيرين باستخفاف، باعتبار قيمته المادية «ضئيلة جدا جداً»، لا تشكل ازعاجاً للمواطن، المثقل بعشرات العناوين من الرسوم والضرائب، وخاصة بند «فرق المحروقات» الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى قضية، تحتل أولوية في اهتمامات الرأي العام!
كنت شخصياً أعتبر «الفلس» مجرد بند هامشي على فاتورة الكهرباء، وهو أحد الضرائب التي يدفعها المواطن مجبرا، مثل «دينار التلفزيون»! ربما كان للفلس قيمة عندما انطلقت فكرة المشروع عام 1977! وأرجو أن لا يفتح هذا المقال شهية الحكومة لرفع قيمة هذا البند إلى» قرش» أو «شلن»! استناداً إلى تراجع القيمة الشرائية للدينار!.
أتيحت لي الأسبوع الماضي فرصة التعرف عن قرب إلى هذا «الفلس»، واكتشفت أن لـ «فلس الريف» مديرية ومديراً في وزارة الطاقة، إثر مقال نشرته في صحيفة الرأي بعنوان «حلقة مفرغة»، يتعلق بقرار مجلس الوزراء تركيب أنظمة الطاقة الشمسية من فلس الريف، للأسر المستفيدة من صندوق المعونة الوطنية، واستعرضت فيه حزمة من الاتصالات أجريتها على مدى أسبوع مع الجهات المعنية للاستفسار عن آلية تقديم الطلبات، كما استخدمت منصة «بخدمتكم» دون أن أخرج بنتيجة، وكان الهدف التسهيل على أسرة مستفيدة من الصندوق!
لست مهتماً بمديح أي حكومة، وفي كل ما أكتب أميل غالباً إلى توجيه النقد للتقصير والفساد، والقاعدة هي أن يؤدي الموظف العام واجباته في خدمة الناس، لكن في ظل حالة الترهل الإداري تبدو النماذج الإيجابية جزراً متناثرة، وبقدر ما تجد مسؤولين وموظفين في الوزارات والمرافق العامة، يمارسون عملهم بقضاء ساعات الدوام باستخفاف، وبعضهم يعانون من الإحباط وينقلون إحباطهم إلى المراجعين، من خلال اجراءات روتينية مقيتة، لكن بالمقابل نجد آخرين يستحقون الإشادة والتقدير، يحرصون على خدمة المواطن بيسر وسهولة.
وهنا أتحدث عن ردود فعل فورية لمستها بعد نشر المقال، حيث اتصل معي المهندس زياد السعايدة مدير «فلس الريف»، وأبدى استعداده الفوري لمعالجة قضية العائلة المعنية، وأكد لي جاهزية الوزارة لمتابعة عملية تقديم هذه الخدمة للأسر المستهدفة، وطلب مني عنوان ورقم هاتف الأسرة المعنية للتواصل معها، وبالفعل اتصل مع الأسرة وأرسل في نفس اليوم، فريق عمل للكشف على منزل الأسرة والحصول على الوثائق المطلوبة، ودعاني إلى زيارته في الوزارة في اليوم التالي، للاطلاع على الجهد الذي يقوم به الموظفون المعنيون لتنفيذ القرار.
وضمن الاهتمام الرسمي بموضوع المقال، اتصل معي اثنان من موظفي رئاسة الوزراء، هما «الناصران».. ناصر السعايدة، وناصر الشريدة، للاستفسار وتأكيد أهمية الملاحظات التي أشرت إليها، خاصة فيما يتعلق بمنصة «بخدمتكم»، طلبا مني تزويدهما بأي ملاحظة لتطوير عمل المنصة.
ذهبت في اليوم التالي لزيارة مدير «فلس الريف» المهندس زياد، ولفت انتباهي لوحة معلقة على مدخل الوزارة كتب عليها :«مكتب إسعاد المتعاملين»، وهو مرادف لمكاتب خدمة الجمهور! والاسم ينطوي على رمزية ناعمة ومريحة نفسياً للمراجع، وتخيلت أن مبتكر الاسم طبيب نفسي! لأن الانطباع السائد لدى غالبية من يراجعون الوزارات والمؤسسات العامة، أنهم يخرجون منها محبطين ومشبعين بالنكد!.
وصلت الى مكتب الرجل، وللانصاف أقول إنني لمست جهداً دؤوباً يقوم به فريق العمل جدير بالتقدير، وأن عملية استقبال الطلبات متواصلة عبر الإنترنت أو بشكل مباشر، ومن خلال زيارات ميدانية للأسر المستهدفة يقوم بها موظفو الوزارة، حيث بلغ عدد الطلبات المقدمة حتى الآن حوالي «2500» أسرة من مختلف المحافظات.
ولمست من خلال الايضاحات التي قدمها المهندس زياد، أن «فلس الريف» مشروع كبير لا يجوز الاستهانة به، وأن أحد الأهداف الرئيسة له، إيصال التيار الكهربائي الى الأسر الفقيرة خارج وداخل التنظيم ضمن أسس ومعايير محددة.
وربما هناك التباس في فهم غالبية الناس لـ «الفلس»، وعندما راجعت فاتورة الكهرباء، لاحظت أن بند فلس الريف يبلغ «46» قرشاً! وفهمت بأن المقصود هو زيادة فلس على كل «ك. و. س» كهرباء، وليس «فلس» مقطوعاً على كل فاتورة، أي أن الاقتطاع نسبي حسب كمية الاستهلاك!
[email protected]