كتاب

الراحلون وغضبة الرئيس

رحل عن الأردن في الأيام الأخيرة عدد من شهداء الواجب وفرسان الكلمة والفن، وسيظل هذا الوطن يقدم الشهداء من عسكريين ومدنيين، وقد قال فيه من قبل الشهيد وصفي التل، طيبّ الله ثراه «هذا البلد ولد في النار ولن يحترق».

أما الشهادة، فهي ديدن الأردنيين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكل فرد في قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية مشروع شهيد، ولا شك أن هناك من كانوا خارج المنظومة العسكرية قد انضموا إلى هذا المشروع، حال رئيسي الوزراء هزاع المجالي ووصفي، فالقائمة طويلة في السجل الاردني، وكما حدث في ازمات كثيرة، منها سياسية او لظروف الطبيعة كالتي تعرضت لها المملكة قبل اشهر.

ويظل السؤال عن الراحلين من كتاب وفنانين واعلاميين ولاعبين ومبدعين في مجالات كثيرة، هو: كيف يمكن تعويض هذه الكفاءات المتميزة وقد تركوا فراغاً واسعاً طال انتظاره.

لا نأتي بجديد اذا ما قلنا ان الاردن يعيش في اقليم ملتهب، وفي ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، الا اننا امام حالة أزمة تفترض الحل لا التعقيد، كيف؟

سؤال ربما نطرحه جميعاً، ولكن الحلول تتقاطع الآراء حولها، وهناك من يقول :من يعلق الجرس؟، وكأن الدولة تنتظرفارساً يمتطي حصاناً ابيض!

كما السؤال المشروع: كيف بنى الراحلون وطناً واداروا الازمات في ظروف اكثر صعوبة ما هي عليه الآن وبإمكانات شحيحة مقارنة بما نملكه في حاضرنا؟

ان حالة الاشتباك في وسائل التواصل الاجتماعي وما تطفح به من انتقادات للحكومة مردها الظروف المعيشية للمواطنين وتراجع الخدمة في القطاع الصحي وتكلفة التعليم الباهظة وازمة المواصلات والبطالة، تضاف اليها الانتقادات اللاذعة وقد وصلت درجة التهكم جراء النفي صباح مساء لكثير من اخبارالتعيين والاخبار المسربة، ما جعل الحكومة منصة للقصف والمزيد من فقدان الثقة على المستوى الشعبي، فما هو الحل؟

على سيرة أزمة عدم الثقة بالحكومات، والحديث عن الراحلين، فقد تناول المفكر والصحفي والوزير المرحوم جمعة حماد، في كتابه «راحلون في دائرة الضوء» شخصيات وطنية وزعامات عربية واجنبية ومفكرين واعلاميين وغيرهم، وكان من بين هؤلاء المرحوم وصفي التل.

مما قاله المرحوم جمعة بحق شهيد الامة، بأن الخلاف اشتد بينهما خلال لقاء جمع نخبة من رجال الصحافة وفي اول حكومة شكلها التل الذي هدد بإغلاق الصحيفة التي يعمل بها جمعة، ما دفع الأخير الى مغادرة اللقاء غاضباً ومخاطبة الرئيس ان يفعل ما يراه.

ويصف جمعه شعوره اثناء سيره في الطريق والغبار يعلو حذاءه، وكأن الدنيا اطبقت عليه، اذ يعلم ان وصفي اذا قال فعل، يفكر تارة بمصير الصحيفة، وتارة بمصير الناس الذين يعتاشون منها.

«طاقة الفرج»، جاءت عندما دق هاتف رئيس الوزراء مخاطباً جمعة «يا فلان لقد كنت على حق ونحن على باطل» وانتهى الحديث.

ما يريده الناس من الحكومات، الاعتراف بالخطأ والتقصير، والأهم منهما المكاشفة واتاحة تكافؤ الفرص، ولتذهب الشائعات الى جهنم.