غياب سلطة «النواب» في التحقيق
11:00 8-3-2019
آخر تعديل :
الجمعة
شهدت الساحة المحلية خلال الفترة الأخيرة سلسلة من الأحداث التي أثارت حفيظة الشارع الأردني وزادت من النقمة الشعبية على الجهات الحكومية المكلفة بإدارة المرافق العامة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وما زاد الأمر سوءا أن مجلس النواب لم يبادر إلى ممارسة دوره الدستوري كجهة رقابية على أداء السلطة التنفيذية، ذلك على الرغم من تعدد اليات الرقابة البرلمانية من سؤال واستجواب وحجب ثقة في مواجهة الوزراء.
وإذا كانت هذه الوسائل البرلمانية يقتصر نطاق تطبيقها على الوزراء وفقا لأحكام الدستور، فإنه يفترض أن يثبت لمجلس النواب صلاحية رقابية أخرى تتمثل في التحقيق البرلماني مع المسؤولين الحكوميين من غير الوزراء، والذين تشير الظروف والدلائل على تقصيرهم في أداء عملهم الحكومي.
إلا أنه ومن خلال استعراض نصوص النظام الداخلي لمجلس النواب، نجد بأنه قد جاء خاليا من أي إشارة حول حق المجلس النيابي في تشكيل لجان تحقيق، وتحديد طبيعة عملها والصلاحيات التي تتمتع بها، وذلك كمظهر من مظاهر الرقابة النيابية التي تثبت لأعضاء المجلس المنتخب. فالسوابق البرلمانية في تشكيل لجان تحقيق كانت تستند إلى حق مجلس النواب في تشكيل لجان مؤقتة، دون أن يكون هناك أي إطار قانوني واضح ينظم ممارسة المجلس لدوره الرقابي من خلال التحقيق النيابي.
إن الدور التحقيقي للمجالس النيابية المنتخبة كرسته العديد من الأنظمة الدستورية المقارنة بشكل مؤسسي، وذلك من خلال إيراد نصوص صريحة في التشريعات ذات الصلة تكرس حق المجالس المنتخبة في التحقيق وتشكيل لجان لتقصي الحقائق. ففي تونس مثلا، يحق لمجلس نواب الشعب وفقا لنظامه الداخلي أن يقوم بإنشاء لجان تحقيق تكون برئاسة نواب المعارضة، بحيث تقوم كل لجنة بعد اختتام إجراءات التحقيق بإعداد تقرير مفصل ترسله إلى مكتب المجلس الذي يعرضه وجوبا على الجلسة العامة للمجلس لمناقشته.
وفي المغرب، فقد أفرد النظام الداخلي لمجلس النواب المغربي أحكاما تفصيلية تنظم حق المجلس المنتخب في تشكيل لجان تقصي حقائق تكون مهمتها جمع كافة المعلومات المتعلقة بوقائع معينة أو بكيفية إدارة المؤسسات العامة، بحيث تتشكل هذه اللجان من ممثلي الكتل والمجموعات النيابية، والتي يتعين عليها بعد إنهاء عملها أن تقوم بإيداع تقاريرها لدى مكتب المجلس، والذي يتوجب عليه تخصيص جلسة عامة لمناقشة التقرير خلال أسبوعين من إيداعه، كما أن له الحق بإحالته إلى القضاء المختص.
أما النظام الداخلي لمجلس النواب اللبناني، فقد كرس الحق لمجلس النواب في إجراء تحقيق برلماني في أي موضوع، وذلك من خلال تشكيل لجان تحقيق خاصة يثبت لها الحق في أن تطلع على كافة الأوراق الصادرة عن مختلف دوائر الدولة، وأن تطلب جميع الايضاحات التي ترى أنها تفيد إجراءات التحقيق. وقد توسعت التشريعات اللبنانية في هذا المجال بأن أجازت لمجلس النواب أن يولي لجان التحقيق البرلمانية سلطات هيئات التحقيق القضائية وذلك بقرار يصدر عن المجلس النيابي.
لذا، نجد أن هناك حاجة ماسة لمأسسة الوظيفة التحقيقية لمجلس النواب الأردني وذلك من خلال إيراد نصوص صريحة تعطي الحق للمجلس المنتخب بتشكيل لجان تحقيق، على أن يثبت لهذه اللجان الحق في أن تدعو كافة الموظفين الحكوميين للمثول أمامها، وأن تلزم جميع المؤسسات والدوائر الحكومية بالتعاون معها وذلك من خلال تزويدها بالأوراق والمستندات الضرورية لتمكينها من القيام بمهام عملها.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق/الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com