كتاب

استقالات الوزراء في بريطانيا.. دروس وعِبَر

تتواصل التطورات الدستورية المرافقة لقرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمقرر في نهاية شهر آذار القادم، حيث شهدت الحكومة البريطانية استقالة أربعة وزراء منذ بداية العام الحالي، كان آخرهم وزير الزراعة جورج يوستيس، الذي تقدم باستقالته الخطية قبل أيام احتجاجا على القرار الحكومي بمنح البرلمان البريطاني الحق في التصويت على تأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

إن استقالة الوزراء في حكومة تريزا ماي يمكن تبريره بالاستناد إلى القواعد الدستورية ذات الصلة بالمسؤولية الوزارية. فكما هو معروف في فقه القانون الدستوري، فإن الوزراء مسؤولون مسؤولية جماعية أمام مجلس النواب، وأن كل وزير فرد مسؤول بدوره مسؤولية فردية عن الأعمال المتعلقة بوزارته أمام مجلس النواب.

ومن التبعات الدستورية لمسؤولية الوزراء المشتركة أمام مجلس النواب، أن جميع الوزراء يجب أن يكونوا صفا واحدا خلف رئيس الوزراء، وأن يتبنوا كافة السياسات والقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء، وأن يدافعوا عنها أمام كل من مجلس النواب والرأي العام. فأثناء المداولات في جلسات مجلس الوزراء، يحق لكل وزير فرد أن يعارض مشروع أي قرار مطروح للنقاش، وأن يرفضه ويقدم مقترحات تخالفه. إلا أنه وبمجرد صدور القرار عن مجلس الوزراء، فإنه يتعين على الوزير المعارض أن يتقبل ذلك القرار، وأن يتوقف عن معارضته وأن يدافع عنه أمام مجلس النواب. أما إذا اختار الوزير المعني الاستمرار في معارضته وتمسك بموقفه الرافض للقرار الوزاري، فإن عليه أن يستقيل من الحكومة، وذلك حفاظا على وحدة مجلس الوزراء وتماسكه أمام الرأي العام والمجلس النيابي.

إن هذه المفاهيم الدستورية هي التي تدفع الوزراء البريطانيين إلى التسابق في تقديم استقالاتهم من حكومة تريزا ماي، وذلك بسبب معارضتهم للقرارات الصادرة عنها فيما يتعلق بالتعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث يبادر الوزراء المعترضون على قرارات الحكومة إلى الخروج منها، وذلك رغبة منهم في عدم التأثير على جماعيتها وتماسكها أمام البرلمان المنتخب.

إن الدستور الأردني بدوره قد كرّس المسؤولية الوزارية الجماعية لمجلس الوزراء أمام مجلس النواب وذلك في المادة (51) منه التي تعتبر كلاً من رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة. ومن النتائج الدستورية المترتبة على تقرير هذه المسؤولية أنه يتعين على الوزير الذي يعارض قرارات مجلس الوزراء في الأردن أن يبادر إلى الاستقالة والخروج من السلطة التنفيذية احتراما لوحدتها من جهة، ومحاولة للتأثير السياسي عليها من خلال لفت أنظار مجلس النواب إلى التبعات السلبية للقرار الحكومي الذي استقال احتجاجا على صدوره، وذلك لكي يبادر المجلس المنتخب إلى ممارسة حقه الدستوري في الرقابة السياسية على الحكومة بصورها وأشكالها المختلفة.

وعلى الرغم من أن هذه الممارسة الدستورية قد ظهرت جليا في عام 2011 عندما استقال وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال طاهر العدوان احتجاجا على إقرار مجلس الوزراء لمشروع قانون معدل لقانون المطبوعات النشر، إلا أن مثل هذه الممارسة بحاجة إلى تكريسها كجزء من الثقافة الدستورية بين صفوف الوزراء، والتي تعني أن يقدم الوزير مبادئه وأفكاره الخاصة به على منصبه في السلطة التنفيذية في حال التعارض بينهما.

أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق /الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com