كتاب

خـادمـات وخـوادم



قبل ثلاثة عقود تقريباً كان اقتناء الخادمات والخدم في المنازل مقصوراً على طبقة معينة من الناس وكان على نطاق محدود جدّاً، ولم نكن نسمع عن الخدم إلاّ في بيوت البرجوازيين، ولم نكن نرى الخادمات الماليزيات والسيريلانكيات والبنغلاديشيات والفلبينيات وغيرهن يرافقن سيّدات المنازل إلى الأسواق أو يذهبن بمفردهنّ أحياناً لشراء الحاجيات المستعجلة.

أمّا اليوم فقد تحوّل اقتناء الخادمات من ظاهرة كماليّة محدودة الانتشار إلى ظاهرة شبه عامّة وأصبح من الاحتياجات الأساسيّة لمعظم المنازل سواءً كان أصحاب هذه المنازل بحاجة إلى الخادمات أم لا.

ومن الملاحظ أن الحرص على اقتناء الخادمات، كما هو الحرص على امتلاك كلّ فرد من أفراد الأسرة سيارة خاصّة، يأتي متزامناً مع تزايد شكوى المواطنين من الفقر والبطالة، وقد يكون لذلك تفسيراته الاجتماعية والاقتصادية الكثيرة التي يعرفها علماء الاجتماع وخبراء الاقتصاد.

ولئن كان اقتناء الخادمات والخدم في كثير من المنازل مرتبطاً بزيادة إقبال المرأة على الوظائف، ممّا يضطر الأسر إلى الاستعانة بالخادمات لرعاية الأطفال أوّلاً وللقيام بالأعمال المنزلية من تنظيف وطبخ وسواه، إلاّ أنني أرى عاملاً نفسياً واجتماعياً آخر وهو الحنين الخفيّ اللاواعي عند الإنسان العربي لعصور الرقّ والعبوديّة، وكلّ الذي اختلف بين الماضي والحاضر هو الاسم فقط، أمّا معاملة الخادمات بالتعنيف والإذلال والإساءة والمعاملة القاسية غير الإنسانية فهي ذاتها لم تتغيّر، وقد يكون اتخاذ الخادمات في المنزل صورة من صور الاستعراض والتباهي تماماً كما كان القدماء يتباهون بالاستكثار من العبيد والجواري.

وممّا يؤكد وجود نزعة الحنين لعهود العبودية ما نشاهده لدى الأجيال الصاعدة من المبالغة في استهلاك المنتجات الصناعية الأجنبية كالموبايلات وأجهزة الكمبيوتر والسيّارات، والإكثار من هذه المنتجات وتعدّدها، فنجد للشخص الواحد جهاز هاتف أو أكثر وسيّارة أو أكثر، فضلاً عن الصناعات الأخرى، دون أن يعنّي نفسه إنتاج أيّ من هذه الصناعات، بل يكتفي باستخدامها فقط. ويكفي أن مجامع اللّغة العربيّة ترجمت السيرفرات إلى كلمة خوادم، وهو تعبير لا شعوريّ عن النزعة الاستعبادية للأشياء تماماً كالنزعة الاستعبادية للأشخاص، علماً بأنّ هذه النزعة قد استعبدتنا نحن أيضاً وجرينا خلفها متجاهلين فقرنا المتزايد وجوعنا والبطالة المتزايدة بين أبنائنا.

salahjarrar@hotmail.com