أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق/الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
كعادته يستقبل جلالة الملك بين الفترة والأخرى رؤساء وأعضاء الكتل النيابية في مجلس النواب الأردني محفزا إياهم على تطوير آليات العمل البرلماني داخل المجلس. إن أهمية الكتل النيابية تنبع من أنها تعد النواة الأولية للمضي قدما في تكريس دور البرلمان في تشكيل الحكومات البرلمانية، فهي البديل الدستوري المتوفر للأحزاب السياسية، حيث تقوم فكرتها على تجميع النواب لبعضهم البعض على أساس فكري أو برامجي بعد نجاحهم في الانتخابات، فيتحول العمل البرلماني لعمل كتلوي جماعي بدلا من أن يكون فرديا لا يحقق الفائدة أو الغاية المرجوة منه.
إن تعزيز الكتل النيابية كركيزة للعمل البرلماني بحاجة–وكنقطة انطلاق–إلى إعطائها بُعدا دستوريا وذلك من خلال النص عليها صراحة في الدستور، وتحديدا في المادة (83) منه التي تعطي الحق لكل من مجلسي الأعيان والنواب أن يضعا أنظمة داخلية لضبط وتنظيم إجراءاتهما. وهذا أسوة بالدستور المغربي الذي ينص في الفصل (69) منه على أن يحدد النظام الداخلي لمجلس النواب قواعد عمل الفرق والمجموعات البرلمانية والانتساب إليها.
ولغايات تطوير دور الكتل النيابية يمكن اقتباس التجارب البرلمانية المقارنة القائمة على أساس تكريس مبدأ «المعارضة الكتلوية». وهو المبدأ الذي يقوم على أساس الاعتراف للكتل النيابية التي ترغب بأن تقوم بدور المعارضة، أو تلك التي تحجب الثقة عن البيان الوزاري للحكومة بأنها كتل معارضة. بالتالي يثبت لها مزايا دستورية وبرلمانية خاصة أهمها رئاسة بعض اللجان البرلمانية، وأن تتقدم بالحديث عن باقي الكتل والأفراد في جلسات المجلس، وأن يتم تحديد أماكن جلوس معينة لأعضائها في المجلس باعتبارها تشكل المعارضة البرلمانية.
ففي المغرب مثلا، فقد كرّس الفصل (10) من الدستور حقوقا لكتل المعارضة تمتد لتشمل رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع والمساهمة في اقتراح الأعضاء المترشحين لعضوية المحكمة الدستورية. كما اعترف الفصل (87) من النظام الداخلي لمجلس الشعب التونسي بحقوق دستورية لكتل المعارضة أهمها رئاسة لجنة المالية والتخطيط والتنمية، ومنصب مقرر لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية.
وفيما يتعلق بتشكيل اللجان النيابية، فإن المعيار الأساسي في اختيار الأعضاء يجب أن يكون قاعدة التمثيل النسبي بين الكتل، بحيث تعطى كل كتلة مقعدا في اللجنة النيابية مقابل عدد معين من مجموع أعضائها. وهذا الحكم قد كرسته العديد من الأنظمة المقارنة، وفي مقدمتها فرنسا، حيث تنص المادة (33) من النظام الداخلي للجمعية الوطنية الفرنسية بأنه يجب أن يراعى في تشكيل اللجان الخاصة في الجمعية التمثيل النسبي للمجموعات النيابية.
ولمواجهة ظاهرة الانتقال المتكرر للنواب بين الكتل النيابية، فقد تباينت الأنظمة المقارنة في تقرير الجزاءات المفروضة، حيث كان أكثرها تشددا الدستور المغربي والذي يقضي في الفصل (61) منه بأن كل من يتخلى عن الفريق أو المجموعة النيابية التي ينتمي إليها يتجرد من صفة العضوية في مجلس النواب.
خلاصة القول، إن تجربة الكتل النيابية في مجلس النواب الأردني بحاجة إلى مراجعة شاملة لصالح اعتبارها الركيزة الأساسية للعمل البرلماني، وضمان تمثيلها النسبي في اللجان النيابية، مع ايجاد توزيع عادل للدعم المالي والإداري المقدم إليها تبعا لعدد الأعضاء فيها. كما يجب البدء في التفكير جديا في الاعتراف للكتل النيابية بصفة المعارضة في المجلس، ومنحها حقوقا برلمانية خاصة تتمثل في تمييزها بفترات نقاش وكلام أكثر من باقي الكتل والنواب المستقلين، وتخصيصها برئاسة اللجان النيابية المهمة في المجلس كاللجنة القانونية واللجنة المالية.
مواضيع ذات صلة