الاب رفعت بدر
أمسكنا قبل ايام بتقويم العام الجديد، وقلنا مع فتح أولى أبوابه: توكلنا على الله؟ ولا نستطيع إلا أن نكون متفائلين، لأنّ السقوط في وحل اليأس خطر كبير جارف، وفيه مجازفة بالحكم على العام الجديد بالسلبية والقتامة والرتابة التي تُدخل الملل والقنوط.
نعود مئة عام إلى الوراء. لنرى العالم وقد خرج وقتها من عنق زجاجة داكنة اسمها: الحرب العالمية الأولى، فعقد مؤتمر باريس وابرمت معاهدة فرساي، وانشئت اثرها عصبة الأمم ، حيث صاغ المنتصرون ملامح المستقبل، ووضعوا العقوبات الصارمة على المهزومين، ولم يكن العالم يتوقع وقتها ان تطل حرب أخرى بعد سنوات: باسم العالمية الثانية، التي أتت من جديد على الأخضر واليابس، وأتت بالمصائب وأعمال الانتقام.
دعاؤنا إلى الله العلي، بعد قرنٍ على فرساي، بألاّ يبقى في العالم مغلوب على أمره، أو مهزوم ينتظر ما سيفرضه القوي أو المنتصر عليه، وما عليه سوى الانصياع. لا شيء طبعًا يوحي بأن المساواة بين الدول وبين البشر ستحقق بكامل هيبتها وأناقتها في عامنا الجديد، لكنّ الحلم يبقى حقًا شرعيا لكل إنسان، ولكل شعب. فدعونا نحلم، ودعونا نسعى معًا لتحقيق المساواة والعدالة على المستويات كافة: الاجتماعية والمحلية والإقليمية والدولية، ودعونا نسعى لأن تكون البشرية يدا واحدة وقلبا واحدا، ضمن أسرة موحدة تحكمها منظومة جديدة من القيم والأخلاق.
نستعير من دولة الإمارات العربية شعارها هذا العام: «عام التسامح». وبعد أن أنشأت هذه الدولة العربية الشقيقة وزارة خاصة للتسامح، وسط تعددية إثنية ودينية وطائفية بين ثناياها، أقرّت أيضًا قبل سنوات قانون تحريم وتجريم الإساءة إلى الأديان، وها هي تنجح بأن تكون أول دولة خليجية تستقبل الحبر الأعظم البابا فرنسيس، في زيارة مزدوجة: للدولة صاحبة المبادرات الجامعة لأتباع الأديان، وللكنيسة المكوّنة من مختلف العقليات واللغات والقوميات والطقوس. وسوف تتزامن هذه الزيارة مع تجمّع دولي تنظمه الإمارات بعنوان: «المؤتمر العالمي حول الأخوّة الإنسانية». وفيما اختير للزيارة البابوية رمز حمامة السلام بألوان الفاتيكان والإمارات، وفي فمها غصن زيتون أخضر، تم اقتباس شعار لزيارة «البابا فرنسيس» من صلاة «القديس فرنسيس» (في القرن الثاني عشر): «يا رب اجعلني أداة لسلامك»، وما أبلغه من شعار !
ثمّة أسباب للتفاؤل إذًا، في عالم عوّدنا مع الأسف على التشاؤم أكثر، لكن لِمَ لا نتبنى شعار الإمارات لهذا العام الجديد، في وطننا الاردني وفي عالمنا العربي؟فالتسامح هو عنوان ضروري للتفاؤل والتضامن. وانّ طائرة البابا التي حطّت عندنا قبل خمس سنوات، ستمرّ من فوق أجوائنا متجهة إلى الإمارات العربية وتربط بين قيادتينا وشعبينا أواصر من الصداقة والتفاهم والتعاون، لإعلاء الكرامة الإنسانية وتحسين عيش المواطنين.فليكن إذًا عامًا للتفاؤل ، وليكن عاما شاملا للتسامح في الأردن والإمارات، وفي العالم أجمع.
[email protected]