د. شهاب المكاحله
في كانون الأول 2018، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب على حساب تويتر الخاص به: «لقد هزمنا (تنظيم الدولة الإسلامية) في سوريا ، وكان هذا هو سبب وجود قوات أميركية هناك». ثم أكد البيت الأبيض أن القوات الأميركية ستغادر سوريا في غضون 30 يوماً. مع أن قرار الرئيس ترمب بالانسحاب من سوريا تزامن مع عطلات نهاية العام والسنة الميلادية الجديدة، إلا أن سخونة ذلك القرار أحال برودة الطقس في واشنطن إلى صيف معتدل. فوسط تلك التطورات السريعة والقرارات المتلاحقة في البيت الأبيض فيما يتعلق بسوريا وأفغانستان، يتساءل البعض عن ذلك القرار المفاجئ بسحب القوات العسكرية الأميركية من الشمال السوري.
بالنسبة لكثيرين لم يكن القرار مفاجئاً، لأن ترمب معروف عنه بوفائه بوعوده التي قطعها إبان حملته الانتخابية. فقد قال في غير ما مرة أنه ليس مع التدخل الأميركي في سوريا وأنه اعتبر تدخل الولايات المتحدة في كل من سوريا والعراق وأفغانستان بمثابة استنزاف للموارد العسكرية والمالية الأميركية دون طائل. كما أن الرئيس الأميركي طالب بدخول قوات عربية إلى الشمال السوري وهذا الأمر لم يتحقق. ويعود السبب الثالث لانسحابه من سوريا هو أنَ ما يقارب من 2300 عسكري أميركي لن يُغيِروا المعادلة على الأرض في سوريا. لذلك كان لا بد من سحبهم وخصوصاً أن هناك مناطق قريبة من سوريا توفر حماية طبيعية للقوات الأميركية ودون تعريض الجنود الأميركيين للخطر، لا سيَما وأن القوات التي سيجري سحْبها قبل نهاية شهر يناير/كانون الثاني الحالي من الشمال السوري ليست لها مهام قتالية بل لوجستية. كما أن واشنطن يمكنها الاستعاضة عن عديد هذه القوات بالترسانة الكبيرة وحاملات الطائرات القريبة من المنطقة في كل من البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي وتركيا والعراق.
أما العامل الرابع فهو أنَ دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديموقراطية (ٌقسد) كان مؤقتاً للضغط على تركيا وعلى الجيش السوري والروسي للحصول على تنازلات من كل الأطراف المعنية لأن ما يعني واشنطن هم أكراد شمال العراق وتحديداً من ينضوون تحت راية مسعود البرزاني. أي أن انسحاب القوات الأميركية من سوريا قد يكون باتجاه تحصينات أميركية في العراق.
والعامل الخامس يعود لخلق فراغ في منطقة شمال وشرق سوريا ما بين العراق وتركيا. وهنا قد يتم خلط الأوراق لتهيئة مناخ سياسي لمحاثات سورية -سورية أو لخلق فراغ دائم لنشر فوضى خلاقة تستغلها تركيا للتوغل في سوريا لمنع الأكراد من التوسع باتجاه أراضيها ولمنع تشكيل كيان كردي وفق توافق أميركي- تركي على مسألة تسليم فتح الله غولن.
والسؤال المطروح: هل خروج واشنطن من سوريا يعني فتح الباب على مصراعيه لنشر المزيد من الدمار في سوريا والمنطقة أم أنها تريد ضبط إيقاع العمليات العسكرية لتحقيق سلام يحلم به السوريون منذ العام 2011؟
قام الرئيس ترمب بحملة على سحب القوات الأميركية من سوريا في أبريل 2018. وعمل فريقه من الأمن القومي على إقناعه بأن الانسحاب المتهور سيكون خطأً كبيراً لذلك تم تأجيل قرار الانسحاب إلى حين التأكد من بعض الدواعي اللوجستية خشية أن يؤدي القرار الأميركي المفاجئ آنذاك على إيقاظ الخلايا النائمة من التنظيمات الجهادية ومنها داعش والنصرة.
ترمب أبلغ القوات الأميركية بقرار الانسحاب قُبيل ساعات من إعلانه رسمياً بـ 24 ساعة وهذا ما دفع وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى الاستقالة.
المهم في الأمر أن الولايات المتحدة -وإن بدا القرار مسالماً إلى حدٍ ما- فإنها لا تريد ترك الساحة دون تمثيل وإن كان بسيطاً. وهذا التمثيل هو التقارب التركي- الأميركي على حساب الجانب الروسي مع تركيا. فواشنطن تريد اللعب بورقة الأكراد مع تركيا كما تريد أن تلعبها مع كافة الأطراف مثل سوريا والعراق وإيران. فهل يعني انسحاب واشنطن من سوريا توغلاً تركياً لتصبح الساحة السورية مقسمة بين إيران وتركيا وروسيا في محاربة «الإرهاب».
تركيا معروف عنها سياساتها البراغماتية، كما أن مغازلتها موسكو لشراء منظومة ٍS-400 مع مغازلة واشنطن لأنقرة لبيعها أنظمة باتريوت، تشي بان تركيا تسير وفق مصالحها لا وفق تطورات الأوضاع في المنطقة إذ تشترط أنقرة على واشطن تسليم المعارض التركي فتح الله غولن لتركيا قُبيل البتِ في أي صيغٍ للتعاون بين الدولتين فيما بعد بالشأن السوري والكردي تحديداً.
بالنسبة للباحثين السياسيين الأميركيين، فإن الرابح الوحيد من قرار ترمب بسجب قواته من سوريا هي إيران وسوريا وروسيا وتركيا لأن الداعم الرئيس لأكراد سوريا قد تخلى عنهم، فما على أكراد سوريا سوى العودة إلى المربع الأول مع الحكومة السورية والانضمام لراية الجيش السوري. كما أن وجود الأكراد تحت راية القوات النظامية السورية يعني بلا شك أن المواجهة ستكون بين الجيشين السوري والتركي.
باختصار القرار الأميركي يُفهم على أنه ما عاد لواشنطن تفكير في تغيير الحكم في سوريا وأنها توافق على بقاء الرئيس السوري طالما حظي بموافقة الشعب. كما أنها لم تعد مهتمة ببقاء أو رحيل القوات الإيرانية طالما أن اسرائيل تقوم بمهمة مراقبة توزُع تلك القوات والتعامل معها. ولكن ما يخشاه الخبراء العسكريون هو أن يترك الانسحاب الأميركي الفرصة مهيأة لعملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران في سوريا أو إلى حدٍ ما عملية عسكرية محدودة على مواقع نووية إيرانية تماماً كما حدث بقصف إسرائيل لمفاعل دير الزور السوري ومفاعل تموز في العراق. وهذا هو لُب ما قاله ترمب في 2 يناير 2019 حين قال: «إن إيران لم تعد الدولة التي كانت عليها يوماً ما. بالرغم من أنهم لا يزالون يتصرفون كما يحلو لهم في سوريا إلا أنهم يسحبون قواتهم وميليشياتهم من هناك».
[email protected]