كتاب

الحكومة البرلمانية في بريطانيا.. دروس وعِبَر

في آخر التطورات الدستورية المتعلقة بإجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، قرر نواب حزب المحافظين الحاكم قبل أيام طرح الثقة برئيسة الوزراء تيريزا ماي، وذلك بسبب عدم رضاهم عن مخرجات العملية التفاوضية التي تخوضها الحكومة البريطانية حاليا مع دول الاتحاد الأوروبي لغايات الاتفاق على كافة المسائل والشؤون المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فبموجب القواعد الداخلية الناظمة لحزب المحافظين البريطاني، فإنه يحق لما لا يقل عن (48) نائبا أن يتقدم بطلب خطي إلى لجنة خاصة داخل الحزب تسمى «لجنة 1922» برئاسة جراهام برادي، يطلبون فيه التصويت على طرح الثقة برئيس الوزراء من الحزب الحاكم. وبالفعل، فقد شهدت أروقة البرلمان البريطاني الأسبوع الماضي تصويتا من نواب حزب المحافظين حول إقصاء تيريزا ماي عن سدة الحكم في بريطانيا. إلا أن نتيجة التصويت قد جاءت لمصلحة ماي، حيث صوت ما مجموعه (200) نائب من حزب المحافظين لصالح الثقة بها، في حين جاء عدد الأصوات المعارضة لها والمطالبة بحجب الثقة عنها ما مجموعه (117) نائبا محافظا.

إن التبعات الدستورية لفوز ماي بتصويت أعضاء حزب المحافظين أنها قد أصبحت بمنأى عن إعادة طرح الثقة بها من قبل أعضاء حزبها لمدة سنة كاملة وذلك عملا بأحكام النظام الداخلي للحزب السياسي نفسه. إلا أنها تبقى وفي كل لحظة أمام نيران حجب الثقة عنها من قبل أعضاء البرلمان البريطاني الذي يضم نوابا من حزب العمال المعارض وباقي الأحزاب السياسية الأخرى، حيث يهدد رئيس حزب العمال جيرمي كوربين هذه الأيام بحشد الأصوات النيابية داخل البرلمان لصالح طرح الثقة بحكومة ماي، ويبقى العامل الحاسم في نجاح هذه المساعي من عدمه موقف الأحزاب السياسية الأخرى، وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي الوحدوي من ايرلندا الشمالية، والذي اتفق مع حزب المحافظين في عام 2017 على دعم الحزب داخل البرلمان البريطاني وذلك مقابل دعم مالي سخي.

إن الدروس والِعبَر المستفادة مما جرى في بريطانيا خلال الأسبوع الماضي يتمثل في الوقوف على مفهوم الحكومة البرلمانية كما هي مكرسة في الديمقراطيات الغربية العريقة، ورسم العلاقة بين الحكومة المشكلة من الحزب الفائز في الانتخابات وأعضاء مجلس النواب الذين هم في أغلبيتهم من أعضاء حزب الحكومة نفسه. فالحكومة البرلمانية وإن كانت مشكلة من الحزب الفائز في الانتخابات بعد فوز أعضائه بأغلبية المقاعد في مجلس النواب، إلا أن ولاء نواب الحزب الفائز لا يكون لشخص رئيس الوزراء ولحكومته بالدرجة الأساسية، وانما إلى الحزب السياسي الذي ينتمون إليه والذي شكل رئيسه الحكومة الدستورية. فأعضاء حزب المحافظين البريطاني لم يتوانوا عن العمل على إقصاء رئيسة حزبهم عن سدة الحكم وذلك لغايات الصالح العام للحزب السياسي. ففي حال كانت القرارات والأعمال الحكومية التي تصدر عن الحكومة البرلمانية لا تتوافق مع المصلحة العليا للحزب، فإن المعارضة الحقيقية لتلك الحكومة تبدأ من نواب الحزب الحاكم قبل أحزاب المعارضة الأخرى. فلا ضير من التضحية برئاسة الحزب السياسي الحاكم في الحكومة البرلمانية واستبدال رئيسها بشخص آخر وذلك في مقابل المحافظة على الثقة الشعبية بالحزب وتأكيد استمرارية فوزه في الانتخابات التشريعية القادمة واحتفاظه بالسلطة.

لقد قدم أعضاء حزب المحافظين البريطاني درسا حول المفهوم الحقيقي للحكومة البرلمانية، والذي يجب اعتماده دون غيره في عملية الإصلاحات السياسية والدستورية في الأردن.

laith@lawyer.com

أستاذ القانون الدستوري المشارك في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية