د. شهاب المكاحله
للحكم على مستقبل الرئيس الأميركي لا بد لنا من العودة قليلاً إلى التاريخ الحديث. ففي 17 أيار 1973 ، افتتح السيناتور سام إرفين جونيور جلسات استماع لمجلس الشيوخ في قضية «ووترغيت». وقال: «إن الواجب الدستوري لهذه اللجنة التحقيق السريع في الادعاءات التي تفيد بأن الديمقراطية الأميركية انهارت وأنَ أسُسها اهتزت أو أنها باتت على المحك».
بدا الرئيس آنذاك ريتشارد نيكسون في موقف ضعيف نسبياً. فقبل جلسات الاستماع، تمتع نيكسون بقبول عام لدى الأميركيين في منتصف الخمسينات وأكثر من 80 بالمئة من الجمهوريين كانوا يؤيدونه. ثم انهارت شعبيته في أغسطس 1973 بشكل حاد إذ وصلت شعبيته إلى حدود 40 بالمئة وأدت به إلى الاستقالة في العام 1974.
اليوم، لدى الرئيس دونالد ترمب تجربة مختلفة عن تجربة نيكسون لأن الحزب الجمهوري سيطر خلال عامين من حكم ترمب على الكونجرس والنواب ما وفَر له مظلة حماية. والآن بعد أن استعاد الديمقراطيون مجلس النواب، فإن إدارة ترمب ستواجه تحدياً شبيهاً بما واجهه نيكسون من قبل مع فارق وحيد أن ترمب يتمتع الى الآن بحماية نسبية من الكونجرس. واليوم وبعد الاطلاع على رأي الشعب الأميركي في الرئيس الحالي، نجد أن الرجل يتمتع بتأييد 40 بالمئة منهم ولكن شعبيته وسط الجمهوريين وصلت إلى 90 بالمئة وفق دراسة أعدها مركز «جيوستراتيجيك ميديا».
لذلك، فإن تحقيقات روبرت مولر قد تطيح بترمب في حالة واحدة فقط وهي أن يدعم الكونجرس التحقيقات التي يقوم بها مولر لإثارة موجة رأي عام تؤثر على مستقبل الرئاسة الأميركية. ويبدو أن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب ستضيف ميزتين جديدتين لمولر في حربه على ترمب.
أولاً: لدى لجان الكونجرس ترسانة من أدوات التحقيق التي يمكن الاستعانة بها ومنها إجراء تحقيقات مُفصَلة تطال العديد من أعضاء الإدارة الحالية. ونظراً لتغيير الآلية العامة للاستجواب التي صدرت عام 2015، يمكن لثلاث لجان في مجلس النواب الآن أن تُصدر مذكرات استدعاء للرئيس ومنها: لجان الرقابة والاستخبارات والخارجية.
كما يمكن لتلك اللجان بمساندة من أعضاء الكونجرس أن تدعم ما يقرره مجلس النواب فيما يتعلق باستجواب الرئيس وإعادة سيناريو جلسات»ووترغيت» التي أسقطت نيكسون من قبلُ بالاستعانة بمساعدي الرئيس واستجوابهم.
يبدو أن عدداً من نواب الحزب الديمقراطي يسعون إلى إضعاف قاعدة مساعدي الرئيس أولاً قبيل محاولتهم السير نحو إقالته. وبما أن الديمقراطيين اليوم لا يُسيطرون على مجلس الشيوخ–ناهيك عن الاحتفاظ بأغلبية الثلثين المطلوبة للإدانة في الاتهامات–فإنه من الأهم بالنسبة لهم المضي قدماً في ذلك.
والسؤال المطروح هنا: هل سنشهد عزلاً للرئيس الأميركي؟ لا يضمن العزل فصل الرئيس من منصبه لكنه موقف خطير بالنسبة للرئيس في أن يجد نفسه في تلك المرحلة وهي الخطوة الأولى نحو الإقالة من منصبه.
من الناحية الفنية، الاتهام هو تهمة رسمية لسوء السلوك الذي يفرضه الكونجرس على أي مسؤول كبير بما في ذلك الرئيس والتي قد يسبقها أن يطلب غالبية أعضاء مجلس النواب التصويت لمساءلة رأس الدولة.
في الولايات المتحدة، يكون لمجلس النواب الحق الوحيد في توجيه اتهامات بالتقصير ضد مسؤول كبير في الحكومة. وتبدأ العملية بإجراء تحقيق مستقل–قد يأتي هذا من وزارة العدل، أو من الكونجرس نفسه، أو من مجلس خاص يتم تعيينه – بناء على تُهم أو قضايا. ثم يتم تسليم تلك الأدلة إلى اللجنة القضائية في مجلس النواب، والتي تستعرض الأدلة وتكتب مواد العزل.
ويبدو أن حبال تلك المراحل طويلة وشائكة ولا يمكن أن تطال الرئيس الحالي في ولايته الأولى ولكنها قد تؤثر على ولايته الثانية.