د. فايز الربيع
بطلب من جمعية وطن، شاركت في مؤتمرها، بورقة عمل حول المواطنة والتي هي مجموعة من الالتزامات المتبادلة بين الشخص والدولة (حقوق وواجبات)–ومن مرادفاتها ومشتقاتها ( توطن–موطن–ديار) وهي مرتبطة بموطن الانسان ومستقره الجغرافي–هي انتماء للوطن يتمتع فيها المواطن بالعضوية كامل الأهلية على نحو يتساوى مع الآخرين الذين يعيشون في الوطن دون تمييز على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الفكر أو الانتماء السياسي، واذا كانت المواطنة تفرض له حقوقاً، فهي في المقابل تفرض عليه واجبات قانونية ومعنوية كما تفرض عليه الولاء والانتماء، فالمواطنة سياسياً تعطيه حق المشاركة والوصول الى اعلى مراتب السلطة، والمواطنة الاجتماعية تعطيه حق الحياة الكريمة، والمواطنة المدنية تعطيه حق التمتع بالحقوق الشخصية والملكية والحرية الفردية وتكافؤ الفرص.
يلتقي المفهوم الأسمى للمواطن بالإنسان لتصبح المواطنة إنسانية، فيها يكون معنى الشعب وقيمة الأمة وبحسب تكوينه يكون العقل الذي يفكر فيه للوطن والقلب الذي ينبض واليد التي يتحرك بها دولاب الحياة والإرادة لتصنع منه بعداً حضارياً، المواطنة انتساب جغرافي الى ارض–والهوية انتساب ثقافي الى قيم ومعتقدات ومعايير معينة–الوطنية عملية فكرية، والمواطنة انتساب لممارسة عملية فقد يكون الانسان مواطناً بحكم جنسيته–أو مكان ولادته–ولكن ليس لديه وطنية تجاه المكان الذي يعيش فيه، ولكن لا معنى لوجود حقوق قانونية وسياسيه مكتوبة، دون توفر ضمانات لممارستها على ارض الواقع، المساواة و العدل هو عنوان للمواطنة، وهو مقدمة لترجمة مصطلح الانتماء الذي يتوحد فيه الانسان مع المكان وما يمثل من رمزية باعتباره عضواً مقبولاً فيه وله شرف الانتماء اليه والانتماء مفهوم مركب يشمل الهوية، الجماعة، الولاء، الالتزام، التواد، المشاركة، مما يؤدي الى فخر الانسان بوطنه منشغلاً بهمومه وقضاياه، ملتزماً–محافظاً على مصالحه–مراعياً للصالح العام، مساهماً في الأعمال الجماعية، متفاعلاً، عارفاً بالظروف، ومدركاً للمشكلات.
النظريات التربوية الحديثة تركز على المواطن الصالح، والإسلام يركز على الانسان الصالح، فليس بالضرورة من يكون صالحاً في وطنه، ان يكون صالحاً في وطن آخر، ويتقدم المفهوم الإسلامي ليركز على الانسان المصلح، متجاوزاً حدود الصلاح الفردي الى الصلاح العام، وتتكامل دوائر الوطنية، المرتبطة بالمواطنة من العشيرة الى القرية، المدينة، القطر، الجنس، العالم- دونما تقاطع فيما بينها، لان بداية الانطلاق الصحيحة تولد نهاية صحيحة، ولكن المواطن يسأل، أنا مواطن أؤدي ما هو مطلوب مني، التزم بالقوانين، أشارك فيما يتيسر لي من عمل سياسي، ولكن في المقابل لا أرى خدمات سليمة، لا اعلم كيف ينفق ما يؤخذ مني، أشارك، وتأتي النتائج بغير ما توقعت، لا أعلم لماذا يختار فلان مسؤول دون فلان، لا توجد معايير أو مسطرة التزم بها كي أكون جزءاً من السلم الوظيفي، ابني وبنتي لا يعملان بينما ابن فلان يفصل له عقد خارجي، برواتب خيالية، أنا أحب وطني، ولا احب ان تعمل أيدي على تخريبه ومع ذلك انا لست قادراً، أو لا توجد طريقة أو سبيل لإيقافهم، هناك فقر وبطالة–هناك شعور بالإحباط يتسلل الى مفاصل المجتمع، هناك عدم شفافية، وإعلام يزيّن ويلّمع، ومع ذلك ما زلت أصر على ان أكون مواطناً يحب وطنه ويتمنى له الخير.
اريد ان اركض سريعاً الى وطني، ولكن ليس بسرعة الباص السريع، واحاذر ان اسقط في احد المناهل،
حتى وإن مسّني الضر فأنا كبير بوطني، ولا شيء بدونه.