كتاب

آفـة الاسـتـعـجـال فـي الردّ عـلـى الـسـؤال

ليس من الحكمة أن يتعجّل المرءُ في الردّ على السؤال الذي يوجّه إليه في اللّحظة التي ينتهي فيها طرح السؤال، لأنّ ذلك من التسرّع الممقوت، فالأصل أن تمرّ الإجابة عن أيّ سؤال في مرحلتين: الأولى استيعاب السؤال وفهمه تماماً، والثانية التفكير في الجواب الذي يناسب ذلك السؤال.

ولا أقصد في هذه المسألة الطلبة في المدارس والجامعات والمعاهد الذي يخضعون للامتحانات، بل أقصد كلّ من توجّه لهم أسئلة من أيّ نوع وفي أيّ زمان أو مكان، إذ إنّ الإجابة عن السؤال دون استيعابه والتفكير في جوابه قد يكون لها عواقب غير محمودة، فمن الناس من يسمع الجزء الأوّل من السؤال وتتولى خبرته ومعرفته إكمال السؤال بما يتوقعه من تتمة له، وقد تكون التتمة مطابقة لما يريده السائل، ولكن في كثير من الأحيان تكون في اتجاه آخر غير ما أراده السائل، وفي هذه الحالة الثانية يكون الجواب غير صحيح ومضلّلاً للسائل. فإذا سألك أحدهم عن عنوان ما يبدأ اسمه بدائرة أو مجمّع أو شارع أو مسجد أو مركز أو غير ذلك، ولم تنتظر أن يتم السائل سؤاله، فترشده إلى دائرة أخرى أو شارع آخر أو مسجد آخر أو مركز آخر، ولا شكّ أنّك بذلك تضرّه من غير أن تقصد.

وقد يحدث أحياناً أن يتوقّع الشخص سؤالاً يوجّه إليه لسبب من الأسباب، ثمّ يأتيه من يشرع في طرح سؤال، وقبل أن يتمّه يكون المسؤول قد بادر إلى الإجابة عن السؤال الذي كان يتوقّعه، وهو غير مدرك أنّه أعطى إجابة غير صحيحة لأنّها لا تلائم السؤال الذي وجّه إليه بالفعل.

وهذه أمورٌ تحدث في جامعاتنا ومدارسنا ومعاهدنا وندواتنا ومؤتمراتنا واجتماعاتنا، حيث يصرّ من توجّه إليه الأسئلة على الإجابة عن السؤال الذي كان يتوقّعه أو السؤال الذي أعدّ الإجابة عنه سلفاً، لا عن الأسئلة التي وردت في الامتحان أو في الندوة أو في الاجتماع.

لقد حضرت الكثير من الندوات والمؤتمرات والاجتماعات ولاحظت في كثير من الأحيان خروج المناقشات والأجوبة والتعليقات والاقتراحات عن موضوع الاجتماع أو المحاضرة أو الندوة، وكأنّ صاحب التعليق إنّما جاء ليقول ما هيأ نفسه لقوله حتّى لو كان موضوع الحديث بعيداً عن موضوع التعليق.

وممّا يحدث كثيراً في المدارس والجامعات عند عقد الامتحانات أنّ الطلبة لا يلتزمون بالمطلوب الدقيق من السؤال بل يعمدون إلى العنوان العريض فيه، فإذا كان السؤال مثلاً عن أسباب تلقيب المتنبي بهذا اللقب، فإنّ بعض الطلبة يتحدثون عن المتنبي وسيرته وأخباره وأشعاره ولا يجيبون عن السؤال المطلوب.

إنّ مثل هذه الظواهر في امتحاناتنا وندواتنا واجتماعاتنا ومحاضراتنا هي أمثلة من ظاهرة خطيرة في حياتنا تتمثل في الابتعاد عن عمل المطلوب ومواجهته والدوران حول القضايا والمسائل الحيوية وتجنب الخوض المباشر والعميق والدقيق فيها، وهي ظاهرة تستحقّ التنبّه والمراجعة والمعالجة.

salahjarrar@hotmail.com