يصفعنا الرئيس الأميركي المتغطرس دونالد ترمب كلّ يوم قبل أن ينام وبعد أن يستيقظ وفي كل لحظة بعبارته المشهورة: عليكم أن تدفعوا، موجّهاً خطابه إلى المملكة العربيّة السعودية الشقيقة، وهو يقصد بطبيعة الحال أيضاً سائر الدول العربيّة الغنيّة.
وبصرف النظر عن المواقف السياسية من هذا القطر العربي أو ذاك وهذا الزعيم العربي أو ذاك وهذا النظام السياسي العربي أو ذاك، فإنّ عبارة ترمب التي تدلّ على ما نسمّيه في أعرافنا «قلّة تربية» أو سوء خلق أو قلة احترام، تمثّل إهانة شخصية لكلّ واحد منّا، لأنها تعكس مدى استخفافه بنا وازدرائه البالغ لنا والنظر إلينا بوصفنا عبيداً أو شعوباً هامشية عليها أن تطيعه وتمتثل لأوامره دون تردّد.
لقد أصبح لعبارة ترمب الشهيرة: عليكم أن تدفعوا، صداها الذي يجرح ضمير كلّ من تقع في مسامعه ووقعها المؤلم المرّ في أعماق كلّ إنسان شريف، وينبغي أن تتحول في عقولنا إلى جرس إنذارٍ يوقظنا من هذا السبات الطويل العميق ويعيدنا إلى وعينا، فنغسل عن وجوهنا ورؤوسنا غبار حروبنا الدونكيشوتية الجوفاء، وجرائمنا الوحشيّة في حقّ بعضنا بعضاً، ونلتفت إلى ما يحقق مصالحنا القوميّة ويدفع عنّا خطر الإرهاب الأميركي والإسرائيلي ويعيد لنا احترامنا ومكانتنا في نظر العالم ودورنا في المسيرة الحضارية الإنسانية.
وسواءً أكان دونالد ترمب متهوراً أم أهوج أم حالماً أم واقعياً، فإنّ هذا لا يعنينا بمقدار ما يعنينا أن نتجنب الأسباب التي جعلته هو وأمثاله يطمعون بنا ويحاولون ابتزازنا ليلاً نهاراً ويؤلبون بعضنا على بعضنا الآخر وينصبون المكائد لنا، ونتجنب الظروف التي هيّأناها له لممارسة هذا الابتزاز علينا.
ليس علينا أن ندفع كما يقول ترمب وليس علينا أن نعادي العالم كلّه أو نحاربه، فنحن في الظروف الراهنة التي تمرّ بها الأمّة لا نستطيع أن نطفئ حريقاً ينشب في حقل صغير، ولكن علينا أن نحصّن أنفسنا بكلّ ما تحصّن به الأمم المتحضرة نفسها من القيم والمبادئ وحماية المصالح القومية والرؤية الواضحة والتخطيط السليم والابتعاد عن الارتجال والتخبّط والاستبداد والعنجهية والجنون.
إنّ المتربّصين بنا أكثر ممّا نتصوّر، والكلّ ينتظر فرصته للانقضاض علينا، ولئن كان دونالد ترمب يجاهر بما يطمع في الحصول عليه فإنّ كثيرين غيره ينتظرون أن يفترسوا ما يحلمون بافتراسه من دون أن يجاهروا بذلك.
ولذلك فإنّه لا مفرّ أمامنا، حتّى نقطع الطريق على كلّ الطامعين، من أن تضع حروبنا التي بيننا أوزارها وأن نكفّ عن هذا الجنون، ونجعل عقولنا ومصالحنا هي الأساس في كلّ سياساتنا وتطلّعاتنا ومواجهة تحدّياتنا. وإيّاكم أن تدفعوا أو تفرّطوا بفلس واحد ما لم يكن في بابه الصحيح الذي يحقق للأمّة خيرها ومصالحها القريبة والبعيدة.
salahjarrar@hotmail.com
مواضيع ذات صلة