د. شهاب المكاحله
ينقسم الحزبان الرئيسان في الولايات المتحدة حول رؤيتهما لقضايا التأمين الصحي والهجرة والدور العالمي الذي تلعبه الولايات المتحدة وموقفها من حلفائها. ولعل أهم بند هو كيف يجب على الولايات المتحدة أن تتعامل مع حلفائها وفق معطيات ومتغيرات جديدة قد تُفرض على واشنطن؟ فهل يمكن للولايات المتحدة أن تبتعد عن حلفائها وتتركهم إذا ما توافر لها البديل المناسب أو العقد المناسب في مكان آخر؟
هذه الأيام تكثر استطلاعات الرأي الأميركية والتي تعكس في الغالب مُيول الناخب الأميركي لمرشحيه من كِلا الحِزبيْن. فقد أظهرت آخر الاستطلاعات أن غالبية الأميركيين يَروْن بنسبة 56 بالمئة أنه يجب على بلادهم أن تنظر بعينِ الاعتبار لمصالح حلفائِها في السياسة الخارجية، حتى لو استدعى ذلك تقديم تنازلات لهؤلاء الحلفاء وإن كان هناك اختلاف في وجهات النظر وهذا ما أثبتته قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي التي أثارت الرأي العام العالمي. فالرسالة الأميركية لحلفائها لم تتغير بل بقيت على ما هي عليه على الرغم من ارتفاع وتيرة الخطاب والخطاب المضاد.
منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الرئاسة في العام 2017، لم يَعد هناك أهمية للخلاف السياسي مع الحلفاء فيما يتعلق بالمواقف والثوابت على العكس مما كان عليه الأمر قُبيل فوز ترمب بالرئاسة الأميركية. ففي عهد الرئيس السابق باراك أوباما كانت وجهة نظْر الديموقراطيين تعكس حيادية تامة في القضايا الدولية والنأي بالنفس وعدم التدخل حتى مع الحلفاء ما ترك بعض الدول العربية في حالة من الترقُب والتخُوف من تهديدات مُحتملة وخصوصاً في عدد من دول الخليج العربية. الوضع اليوم تَغَيَر مع قدوم الجمهوريين إذ بات لزاماً على واشنطن أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفائِها وهي نقطة اختلاف كبيرة بيْنَ الحزبيْن.
الحزب الديمقراطي يحاول جاهداً النظر إلى الشأن الذي يخدم المواطن الأميركي ولا يأبه للقضايا الخارجية لأن العلاقات الدولية أشبه بالمغامرة أو المقامرة إذ يجب أن لا تضع واشنطن جميع بيضاتها في سلة الدول الأخرى على العكس من الحزب الجمهوري الذي يرى أن مصلحة واشنطن تكمُن في دعم الحلفاء والوقوف معهم. ولكن ذلك لا يكون بالمجان.
في العُرف الدولي، لا تُبنَ العلاقات بينَ الدول على المنفعة الأحادية، أي من جانب واحد، بل تكون تلك المنفعة ثنائية بحيث تخدم مصالح الدولتين. في الماضي كانت واشنطن تحقق مكاسب كبيرة نظراً لسيطرتها على الكثير من المَدييْن الجيوبوليتيكي والاقتصاد السياسي العالمي إلا أن الأمور بدأت بالتحول في بداية القرن الحالي مع ظهور المارد الصيني ليحكم العالم اقتصادياً ولتتراجع الولايات المتحدة درجة واحدة لمراقبة آلية الاقتصاد العالمي الجديد الذي تسعى كل من الصين وروسيا والهند والبرازيل لإعادة ترتيبه والخروج من اتفاق «بريتون وودز».
وتُعزى هذه التغيرات إلى حدٍ كبير إلى تحول في وجهات النظر بين الديمقراطيين والجمهوريين. ففي عام 1999، ووفقاً لاستطلاعات الرأي آنذاك، قال 70 بالمائة من العينَة المُستهدفة في المسح إن الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى الحليفة. واليوم تبدَل الوضع، فبعد أن تخلت واشنطن في السنوات الأخيرة عن حلفائها، عادت والتفتت إلى مصالحها ومصالح تلك الدول لتُعيد الأمور إلى نِصابها سياسياً وعسكرياً وأمنياً. وهذا الأمر ينعكس أيضاً على العلاقات التجارية في آن معاً.
يبدو الجمهوريون اليوم أكثر انقساماً من ذي قبل تجاه العديد من الملفات والقضايا وهو ما يُرجحِ فوْزَ الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي بفارق بسيط ما لم تحدث تغييرات إيديولوجية على صعيد الرئاسة.
[email protected]