من نافلة القول أن العالم الذي نعيش فيه مرّ في العديد من مراحل التطور ليصبح على ما هو عليه اليوم. ولكل مرحلة خصائصها ومتطلباتها التي تختلف عن المراحل التي سبقتها وإن كانت تشترك معها في بعضها.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فلا بد لكل مجتمع من أخذ عوامل التقدم والازدهار على محمل إذا أراد أن يُحسّن من وضعه، والإ فإن حاله يبقى على ما هو عليه أو يتأخر. وهذا أحد أهم الأسباب التي تُميز المجتمعات المتقدمة عن المجتمعات النامية، على سبيل المثال، ومنها مجتمعاتنا العربية.
المرحلة التي يمر بها عالمنا الآن هي مرحلة»ما بعد الحداثة»والتي بدأت في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، ووصلت ذروتها الآن.
خصائص هذه المرحلة كثيرة، لا مجال لذكرها هنا، لكن أهمها يتمثل في إعادة هيكلة العلاقة بين المركز والأطراف، وبين الطبقات والشرائح الإجتماعية.
في المرحلة التي سبقت ما بعد الحداثة، كانت الأهمية للمركز والطبقات الاجتماعية الأعلى، على حساب الأطراف والطبقات الأدنى. كانت السلطة والسطوة والرفاه والقوة لهما؛ وكان ذلك مقبولاً من وجهة النظر «البنيوية» التي أتت قبل مرحلة«ما بعد الحداثة» مباشرة والتي بُنيت على التفكير الهرمي وعلى مبدأ الفوارق.
أما اليوم، فاختلف الأمر؛ والنزعة هي نحو تقليص الفوارق أو محوها وتجسير الهوة بين المركز والأطراف.
حدث تغيّر جوهري في أنماط التفكير وفي النظرة للعلاقات بين مكونات المجتمع، وظهر العديد من المفكرين الذين أخذوا يهاجمون»التباينات الثنائية» التي أسست للهرمية والفوارق لحقب طويلة.
فبدأت المجتمعات الأكثر تقدما بإعادة هيكلة الحاكمية والسلطة وعوائد التنمية والدعم المالي واللوجستي والخدمات لتشمل مكونات المجتمع كافة، مركزاً وأطرافاً وطبقات اجتماعية واقتصادية وشيباً وشباباً، محاولة إعلاء مبدأ العدالة في التوزيع ما أمكن إلى أن يأتي وقت تُلغى فيه الفوارق والتباينات والعلاقات الهرمية غير المنصفة. ونحن جزء من هذا العالم. ومع أن لنا خصوصياتنا، كما لكل مجتمع خصوصياته، فإننا نتأثر بما يجري فيه شئنا أم أبينا.
وإذا أردنا اتخاذ خطوات جادة نحو التقدم والازدهار، فلا بد لنا من الأخذ بالدروس المستفادة والممارسات العالمية الحميدة، ومنها جسر الهوة بين «المركز» و«الأطراف» من ناحية وتقليص الفوارق بين الطبقات الاجتماعية على نحو إيجابي ومدروس بعناية.
وهذا يتطلب من صناع القرار وضع البرامج والخطط التي من شأنها النهوض بالأطراف والشرائح المهمّشة، سياسياً واجتماعياً واقتصاديا وتعليمياً وثقافياً وخدماتياً، إلخ. نعي أننا نتحدث عن هذا الأمر منذ مدة، وأن بعض البرامج والمشاريع قد نُفّذت أو هي قيد التنفيذ، ومنها مشروع اللامركزية. بيد أننا بحاجة إلى فعل المزيد، وأن تأتي كافة المشاريع والبرامج ضمن رؤية شمولية كاملة، لا برنامج هنا ومشروع هناك. وهذه أولوية قصوى في المرحلة التي نمر بها الآن، والتي نجد أن معظم التبرم والتذمر الذي أخذ يتفشى الآن على نحو غير مسبوق يأتي من الأطراف ومن الطبقات والشرائح المهمشة في المقام الاول.
amajdoubeh@yahoo.com
مواضيع ذات صلة