د. شهاب المكاحله
تشير الدراسات الأولية التي تقوم بإعدادها كُبريات مراكز الأبحاث والدراسات العالمية إلى أن العالم اليوم ليس آمناً وفي المستقبل القريب سيزيد الخطر مما يعني أن الاستقرار العالمي في خطر.
ففي مسح أولي قام به «مركز جيوستراتيجيك ميديا»، فإن العالم أقل أمناً وسلماً في الحاضر من ذي قبل وسيتفاقم الوضع في القادم من السنوات. فمع القضاء على الإرهاب في دول مثل العراق وسوريا وغيرها من دول الشرق الأوسط إلا أن نواة جديدة بدأت تتشكل وتلك النسخة من الإرهاب ذات وجه أقبح من سابقاتها. وحتى اليوم، فإن التهديدات التي شكَلها الإرهاب ما زالت قائمة، فما الذي ينتظر العالم من تداعيات من نسخ إرهابية جديدة تتخذ من الشرق الأوسط مقراً لها؟
وفقاً للدراسات فإن من بين كل مئة فرد هناك شخص واحد إما مُشرد أو لاجئ. فمع تراجع ترتيب الولايات المتحدة مراتب عديدة في مؤشر السلم والأمن في السنوات الأخيرة، فإن الإرهاب يتفاقم مع الأزمات العالمية ومنها المالية. فقد اشتد عود الإرهاب بعد العام 2008 حين عصفت بالعالم أزمة مالية خانقة ما زالت بعض الدول تعاني تداعياتها. ومع توقع الاقتصاديين والماليين العالميين أن يشهد العالم موجة من الأزمات الاقتصادية والمالية والحروب في السنوات 2019-2023، فإن ذلك سيشكل حاضنة مناسبة جداً للمتطرفين من كل الدول في التجمع والعمل على ضرب السلم العالمي.
الدراسات العالمية ذكرت أن مستويات السلم العالمي تفاقمت سوءاً منذ عام 2008 عندما ضربت الأزمة المالية العالم. ووفقاً للأبحاث الدولية، فقد انخفضت مستويات السلام لأكثر من 90 دولة في العام 2017. كما أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد شهدت توترات وصراعات تجلَت قبل عقدِ من الزمان ودونما تسوية لأي من هذه الصراعات. ولن يتحقق الأمن في الشرق الأوسط ما لم يتم تسوية جميع ملفات الصراع في المنطقة جُملة وتفصيلاً لأنها مترابطة ترابطاً تاماً.
ويبدو أنه ومنذ انتهاء الحرب الباردة بين الكتلتين بانهيار الاتحاد السوفييتي، أصبحت التحديات السياسية السبب الرئيس لتزايد أعداد العمليات الإرهابية وخطورتها وانعدام الأمن العالمي مما خلق ضعفاً اقتصادياً وأوجد فجوة كبيرة بين الأثرياء والفقراء ليس على مستوى المجتمع الدولي فحسب بل وعلى مستوى الدولة نفسها. كل ذلك أثر في النسيج الاجتماعي وأضعف حِس الولاء والانتماء لدى الشعوب.
ويشهد العالم حالياً لحظة حرجة للغاية بسبب صراع الخمسة الكبار وأثر ذلك على الدول الصغيرة التي تخشى أن تمتد نيران تلك التوترات إلى حدودها حيث تُجيد الدول الكبرى اللعب على أوتار الطائفية والمذهبية والتمييز العرقي والديني وحتى التمييز المناطقي بين الشمالي والجنوبي والشرقي والغربي.
فكلما أوغلنا في التقسيمات زادت فرصة اندلاع الصراعات الدولية وانتشار ظاهرة الجهات من غير الدول (Non-State Actors) مثل الجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة بمسمياتها المختلفة وتصنيفاتها.
من المعلوم أن كل الدول تتصارع لحماية مصالحها المادية أولاً مثل الحفاظ على حدودها آمنة مستقرة، وضمان تحقيق نمو اقتصادي مُطَرد كما تسعى الدول كذلك للدفاع عن قيمها وأعرافها ومعتقداتها الدينية والأيديولوجية. وبالمقابل، تسعى الدول الكبرى لتعارض مصالحها لتعطيل المنافع التي قد تحصل عليها الدول المنافسة عن طريق إذكاء نار الحرب الداخلية لا سيما وأننا سنشهد في القادم من السنوات انتهاء القطبية الأحادية مع ظهور الصين وروسيا كمنافس للولايات المتحدة وحلفها.
ولما كان من المستحيل شن حرب بين الدول الكبرى وخصوصاً روسيا والصين والولايات المتحدة لأن ذلك يعني دماراً شاملاً للعالم، فإن البديل الجاهز والممكن هو حروب على المصالح إما عن طريق حروب الوكالة (Proxy Wars) أو عن طريق تأجيج الفتن والنعرات والتطرف والإرهاب لضرب مصالح الدول المنافسة تماماً كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن والعراق وأفغانستان ونيجيريا والصومال.
لذلك على الأمم المتحدة أن تكون أكثر صرامة وأن تُبادر إلى لعب دورٍ أقوى لكبْح جِماح الفوضى العالمية لأنها باختصار تقود العالم نحو الاضطرابات وانعدام الأمن وانتشار الإرهاب والفقر بين عشرات الملايين من البشر.