احمد ذيبان
للوهلة الاولى يبدو ما يسمى «قبو يوم القيامة»، إحدى الخرافات أو أكاذيب المنجمين ،لكن الاطلاع على المعلومات والصور المتعلقة بهذا «القبو»، تكشف المسافة الهائلة بين تفكير الغرب والامم المتقدمة عموما ،وما يخططون له للمستقبل، وبين تفكيرنا كعرب..، وما نفعله في حياتنا الراهنة وخاصة إشعال الحروب البينية،التي تغرق الساحة العربية بالدماء، وتفوح منها رائحة الجثث!
«قبو يوم القيامة» أنشأته النرويج عام 2008، في كهف أسفل جبل ناء على مسافة نحو « 1300» كيلومتر من القطب الشمالي.والهدف منه حفظ البذور في درجات تجميد عالية، وحماية تقاوي المحاصيل الزراعية العالمية،مثل الفول والأرز والقمح والذرة والبطاطا، المخزنة على مسافة تتجاوز «110» أمتار داخل القبو، وتأمين الامدادات الغذائية تحسبا لأسوأ الكوارث،على غرار الحرب النووية أوقوع كارثة طبيعية أو الأوبئة.
ويحتفظ القبو بأكثر من «860» ألف عينة من جميع دول العالم تقريبا،وحتى في حالة انقطاع التيار الكهربي في «القبو»، فتظل العينات محفوظة في درجة حرارة التجمد «200 » عام على الأقل.
الجديد فيما يتعلق بالقبو أن الحرب الأهلية في سوريا، أدت الى سحب بذور لأول مرة من «قبو يوم القيامة»، أو «سفينة نوح مملكة النباتات»!، ومنها عينات من القمح والشعير والمحاصيل الأخرى الصالحة للزراعة،في المناطق الجافة من استراليا وحتى افريقيا.
يزعم البعض أن هذه المسافة بين التقدم والتخلف تتعلق بالجينات،لكن ذلك كلام لاتسنده أسس علمية، ويمكن الاشارة الى تكوين الولايات المتحدة الاميركية التي يقارب عمرها نحو «300» عام ،وهي عبارة عن خليط من عشرات الأعراق والأصول والمنابت،هاجروا اليها من مختلف دول العالم،ومن بين هؤلاء«حسين أوباما»، والد الرئيس السابق باراك أوباما، الذي هاجر الى أميركا من افريقيا، وبسبب وجود دولة مؤسسات وقانون يطبق على الجميع دون تمييز، وبيئة محفزة للإبداع وتكافؤ الفرص، وصل أوباما الى البيت الابيض، ولو هاجر والده الى بلد عربي،لربما كان موقع أوباما عاملا في مقهى يقدم الأراجيل، أو في ورشة بناء !
هم يتطلعون الى المستقبل وفق منهجية علمية دقيقة،ونحن نعود الى الوراء عشرات القرون، ونحيي صراعات تاريخية تكاد تكون نسخة عن «داحس والغبراء»! كالحروب الاهلية الراهنة التي تحرق العديد من البلدان العربية، وتحركها دوافع طائفية، وينفق على تلك الحروب البينية العبثية عشرات المليارات من الدولارات، تذهب الى الغرب لشراء الاسلحة، فضلاعن ملايين القتلى والجرحى والمعاقين والثكلى واللاجئين والنازحين، وانتشار الأمراض والاوبئة التي انتهت منذ عشرات السنين مثل الكوليرا، ولا أستبعد ان تعود أسراب الجراد مجددا الى البلاد العربية، لتأكل ما تبقى من مساحات خضراء!
حروب تؤسس لمزيد من الاحقاد والثارات والصراعات التي ستنشغل بها الأجيال القادمة، تنفق عليها مبالغ هائلة فيما تتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ويزداد عدد الفقراء والعاطلين عن العمل، وكل ذلك يشكل بيئة خصبة للتطرف والعنف والارهاب، تحت شعار «الحرب على الارهاب»! فيما العالم المتقدم يسابق الزمن ، وينفق أموالا هائلة لتحقيق انجازات علمية، لتطوير مستوى حياة البشر !
هذا النمط من التفكير هو المعيار بين التقدم والتخلف، وللمقارنة الساخرة يمكن ملاحظة العناصر المحركة للحالة العربية الراهنة، التي تستنسخ الصراعات الطائفية والمذهبية التاريخية !
[email protected]