كتاب

لا يجوز!

نسمع بين الحين والآخر من بعض الإعلاميين أو الباحثين أو «الخبراء» عن إنجازات إسرائيل في العديد من المجالات مقارنة بإنجازاتنا. والافتراض هنا أن ما حققته وتحققه إسرائيل، في البحث العلمي على سبيل المثال أو بعض الصناعات أو تصنيف الجامعات، أفضل مما حققنا ونحقق بفارق كبير.

ومن وجهة نظرنا فإن هذه المقارنة غير مفيدة، لا بل إنها غير جائزة.

على نحو عام المقارنات مهمة جداً، فالأرقام والحقائق المطلقة قد لا تعني الكثير بحد ذاتها؛ ومن هنا لا بد من وضعها جنباً إلى جنب مع أرقام وحقائق أخرى حتى نستطيع تحديد الفوارق بين ما حققه البعض وما حققه آخرون، على مبدأ النسبية المهم في عالم اليوم.

فنحن على الدوام نقارن مثلاً بين منجزات الدول المتقدمة ومنجزات الدول النامية بهدف إبراز الفوارق النسبية بينهما، من أجل حث الأخيرة على ردم الهوة الكبيرة التي تفصل بينهما أو تقليلها.

من هذا المنطلق نقارن بين مخرجات التعليم في الأردن أو تونس أوكينيا مع مخرجات التعليم في أميركا والسويد واليابان.

هذا بعد مهم من أبعاد المقارنة النسبية.

أما البعد الآخر فيتمثل في مقارنة أداء الدول المتقدمة بعضها ببعض، وكذلك أداء الدول النامية بعضها ببعض، لتعرف كل واحدة منها أين يقع أداؤها من أداء مكونات المجموعة المشابهة لها.

فنقارن دخل الصين من الصناعة بدخل أميركا منها، ونقارن ما ينفقه الأردن على البحث العلمي بما ينفقه لبنان.

المشكلة في المقارنة مع إسرائيل تكمن في الافتراض غير الدقيق التي تبنى عليه المقارنة، وهي أن إسرائيل دولة من المنطقة أو أنها دولة«نامية». وهنا تكمن المشكلة.

فإسرائيل لا تشبه أيا من جاراتها، لأنها كيان مصطنع من ناحية، زرع في المنطقة من قبل قوى عظمى من خارجها، ولم تمر بالظروف التاريخية والسياسية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها دول المنطقة، وبالتالي فإن عامل التجانس والتشابه معها - والمهم جداً كأساس للمقارنة - قد انتفى.

يضاف إلى ذلك أن الدعم المتاح لإسرائيل من أميركا وغيرها من الدول العظمى - المالي والتقني والبشري - ومن اللوبي الصهيوني الذي يمتلك ويدير أكبر البنوك والمؤسسات المالية والإعلامية والقوى السياسية الضاغطة في أميركا ودول غربية غيرها، غير متاح لأية دولة في المنطقة، عربية أو غير عربية.

فالافتراض بأننا نحن وإسرائيل على قدم المساواة، والتلميح بأن إسرائيل هي دولة»نامية»شبيهة بدول منطقتنا، هما افتراض وتلميح خاطئين.

كيف نقارن أنفسنا إذاً بدولة هي ربيبةُ وصنيعةُ ومدللةُ الدول الاستعمارية التي تغدق عليها كل ما تريد وأكثر؟

لو أتيح لأي من دولنا أو لأي من مؤسساتها ما يتاح لإسرائيل ولكل مؤسساتها، لكان إبداعنا وتميزنا في الحقول التي يشير إليها المقارِنون يضاهي إبداعها وتميزها، إن لم يفوقهما.

وهنالك بعد آخر.

عندما كنت طالب دراسات عليا في أميركا عام 1983 وكان محاضر يهودي يتحدث في ندوة عن إنجازات إسرائيل في الزراعة، انبرى له في فترة الأسئلة والتعليقات أستاذ عربي متخصص في الزراعة ليعلمة بأن هذا«التميز»و«الإبداع» الذي يتحدث عنه بني على أساس تدمير البنية المائية في فلسطين ودول الجوار. قال له بالحرف الواحد:«ما تقومون به هو«هبل» و«حماقة» ولقد هدرتم المياه وجففتم المنابع والبحيرات والأنهار على نحو غير مسبوق؛ هذه عنصرية وكبرياء وعدم مسؤولية واعتداء على البيئة، وليست إبداعاً.

لهذه الأسباب وغيرها، نأمل أن يتوقف البعض منا عن مقارنة أدائنا بأداء إسرائيل، فهي مقارنة غير مفيدة وغير جائزة.