ما قاله امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية،المعروف على نطاق واسع باللقب»الفخم»والاثير على قلبه بـ»كبير المفاوضين»،في ماراثون الكلام العبثي المسمى»مفاوضات»مع دولة العدو الصهيوني صائب عريقات،يكشف حجم التنازلات التي ترتقي الى مرتبة تبديد وطعن المشروع الوطني الفلسطيني على نحو يصعب الاستنتاج بأن ما سيقوله الرئيس الفلسطيني محمود عباس امام الجمعية العامة للامم المتحدة يوم 27 أيلول الجاري،سيكون كافيا للتكفير عن الخطايا والارتكابات التي قارفها»فريق»المفاوضين برئاسة عريقات نفسه ووحده،طوال ربع قرن من مسيرة العار المُسمّاة»أوسلو»والتي انتهت الى لا شيء،وِفق اعترافات عريقات لرئيس تحرير صحيفة»معاريف»الصهيونية اليمينية..بِن كسبيت،الذي لا يتورّع عن الدعوة لاغتصاب الفتيات الفلسطينيات المشارِكات في المقاومة الشعبية،كما في دعوته الشهيرة عند اعتقال الشابة الفلسطينية عهد التميمي،بأنه»يجدُر جباية الثمن في فرصة اخرى.في الظُلمات من دون شهودٍ وكاميرات».
كبير المفاوضين يُشفِق على اسرائيل من»دفع ثمن»قرارات ادارة ترمب بقطع التمويل عن السلطة الفلسطينية،كونها (اسرائيل) ستدفع رواتب موظفي السلطة والمدارس والطرق والعيادات والمستشفيات.وسوف تدفع للاطباء والممرضات كما سيعود اطفالكم (اطفال بن كسبيت) لمطاردة اطفالنا في مخيمات اللاجئين كما قال.واختزل في النهاية كل ما قارفته سلطة اوسلو طوال ربع قرن من العبث والتنازلات في شخص أبو مازن، الذي لديه خياران فقط (وِفق عريقات):إمّا القتال من أجل شرفِه وتُراثه او طرده من مكتبه من قِبل الشعب الفلسطيني»(كذا).
المسألة فقط»شرف الرئيس وتراثه»وليس حقوق شعب وارض محتلّة وهوية وطنية ودولة وتقرير مصير.كل شيء في عُرف عريقات يهون،اذا انتصر الرئيس في معركته من اجل شرفه وتراثه،وبالتالي يحافِظ على»مناصِبه»حيث لا يمكن للشعب الفلسطيني»طرّدَه»من مكتبه،ما دام فاز في معركة الشرف والتراث»الشخصي».
اي عبث وتضليل هذا,اذا ما اضفناه الى سلسلة التنازلات التي كشف عنها كبير المفاوضين لاول مرة،رغم ان الاسرائيليين تحدّثوا عنها طويلا وكثيرا,لكن»صمت رام الله»المريب أسهَم – ضمن امور اخرى – في ابقاء جزء كبير مما كان يجري خلف الابواب المغلقة مثابة أسرار،لم يحن بعد وقت البوح بها.فاذا بنا في مناسبة مرور ربع قرن على مسيرة اوسلو الكارثية،نكتشف ان اقتراح»تبادل الأراضي»هي فكرة فلسطينية كما قال عريقات حرفيا.بمعنى (لِمن لا يعرف معنى ومفهوم تبادل الاراضي) ابقاء الكتل الاستيطانية الكبرى (وغير الكبرى احيانا) تحت سيطرة اسرائيل وضمِّها الى»حدودها».اي شرعنة الاستيطان اليهودي فلسطينيّاً،مقابل تعهّد اسرائيلي غامِض وغير مضمون،بمنح اراضٍ مقابِلها قيل تضليلاً:انها ستكون متساوية في المساحة والجودة،ثم يكشف – كبير المفاوضين – ان سلطة رام الله وافقَت على قيام دولة منزوعة السلاح ومن دون جيش.اي ان الموافقة هذه تمّت منذ زمنذ طويل،وليس مؤخّراً كما قال عباس لوفد اسرائيلي من نشطاء السلام ونواب وفعاليات صهيونية التقاهم هذا الشهر.
والاخطر ان عريقات اعتبر حل قضية اللاجئين الفلسطينيين»بسيط جدا. بواسطة التوقيع على نهاية الصراع وغياب المطالب.هذا هو مفتاح الحل قال.وعندما تكون المعادلة،مثلما كُتب في مبادرة السلام العربية، هي حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين،يكون قد تم الاتفاق على أنه:لا يُمكن فرّض أي شيء على إسرائيل في هذا الموضوع.ماذا تريدون أيضا؟ اللاجئون سيحصلون على أربعة خيارات:بإمكانهم الاختيار بين دولة ثالثة، المكان الذي يعيشون فيه،الدولة الفلسطينية أو إسرائيل،ولكن عندما يكون الحل باتفاق الجانبين، لن تكون هناك إمكانية فرض استيعاب لاجئين على إسرائيل. وجامعة الدول العربية توافق على ذلك. لذلك كُتب في خطة كلينتون «حل عادل ومتفق عليه».هذا هو الموقف الفلسطيني الرسمي،ولا يوجد غيره».حسَم كبير المفاوضين المسألة.
وتتواصل المفاجآت – التي كانت مجرد تسريبات اسرائيلية حتى الان – عن موافقة فلسطينية لوجود طرف ثالث وتحديداً قوات الناتو او قوات اميركية,كي تُطبّق وتتيقّن من تنفيذ الاتفاق،فضلا عن ان هذه القوات ستتواجد على الاراضي الفلسطينية وليس في اسرائيل.
«فجّر»امين سر منظمة التحرير قنبلة مدوّية أُخرى عندما قال للصحافي الصهيوني الشهير:»إن الإرهاب هو تهديد وجودي (لنا) ونحن لا نصنع جميلا لكم بالتنسيق الامني معكم،حيث لدينا قنوات مفتوحة معكم ومع CIA».في تأكيد جديد على ان سلطة اوسلو تنظر الى أي مقاومة للمحتَل الصهيوني على انه ارهاب موصوف وتهديد وجودي لها،في الوقت ذاته الذي يعترف فيه معالي كبير المفاوضين:ان اسرائيل تستخدمنا منذ 24عاماً رغم ان لدينا تعاوناً أمنياً كاملاً معها،لكنها توسّع المستوطنات وتستمر في المصادرة وتُهدّد آمالنا».
مؤسف وخطير ان تكون حصيلة مفاوضات استمرّت ربع قرن على هذا النحو الكارثي،الذي يُهدد بهزيمة مأساويّة لحركة التحرّر الوطني الفلسطينية،ويقوم من أوكلت اليه مهمة التفاوض(على قاعدة ايمانه العميق بان... الحياة مفاوضات) بتقزيم المسألة على هذا النحو،ودون اعتذار او تحمّل مسؤولية الفشل،والإستعداد لدفع الثمن امام الشعب الفلسطيني,ليقول:انه «مِن المُمكِن» ان يُعلِن رئيس السلطة في 27 ايلول الجاري،حلّ السلطة او يُعيد المفتاح لإسرائيل (كذا... وكأننا امام صفقة عقارِية).
هل هذا هو «قلب الطاولة»على الإسرائيليين والأميركيين,كما دأبتم على التهديد؟
kharroub@jpf.com.jo
مواضيع ذات صلة