في بيروت، جرت قبل أيام أعمال تدريبية لشباب من البلدان العربية، حول الحوار وتقبل الآخر دينياً. ويأتي هذا النشاط كأولى مبادرات»منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي»، والتي أطلقها في شباط الماضي»مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات»، والمعروف بمختصر كايسيد (KACAIID).
الشباب العربي المشارك ومعظمهم من الطلبة الجامعيين، متعطشون إلى هذا النوع، ليس من المناظرات والمحاضرات، وإنّما من الورش التدريبية للتعلم والتدريب على»فنّ»الحوار وتقبّل الآخر المختلف دينياً - أو طائفيا - في داخل الدين الواحد.
شاركنا، نحن أعضاء اللجنة التنفيذية في المنصة المذكورة في أعمال الجلسة الختامية لورشة الشباب الحيوية، وأصغينا الى ما يقوله الشباب من انطباعات بعد أربعة أيام من التدريب. وقد تعرفّوا فيها، ومنهم لأول مرة، على ثقافة الحوار ونقل المعلومات عن أتباع الأديان الأخرى، كما للتعرّف على الفسيفساء الدينية في المنطقة الملتهبة والهويات المكوّنة لنسيج المجتمعات العربية. فعلى سبيل المثال كانت الورشة مناسبة للشباب للالتقاء لأوّل مرة مع قيادات دينية من الدروز «الموحدين».
ومن الخبرات الأخرى، كانت الدعوة إلى تضمين المناهج الدراسية لتعريفهم بالآخر ضمن سياق ما يجب أن يعرفوه عن الدين الشقيق، وليس ما نفكر نحن أو ما ينبغي أن نعرّفه عنه وعن تاريخه وعن المراحل المفصلية في مسيرته. وقال الشباب أنّ هنالك العديد من الأحكام المسبقة أو المتعارف عليها من معلومات مضللة أو مزيفة أو مغلوطة أو ببساطة غير تاريخية أو صحيحة.
ومن هنا برز دور الاعلام وبالأخص الاعلام التفاعلي الحديث: في تأجيج أو في تخفيف حدّة الصراعات الالكترونية، والمتمثلة أولاً في خطابات الجهل والكراهية والرغبة في إلغاء الآخر، وثانيا في البناء على المعلومات النقدية والخاطئة وبالتالي الهدّامة.
وبعد، جميل أن يأتي هذا الحدث – التدريب على الحوار – في بدء العام الدراسي سواء في المدارس أو في الجامعات، مليونا طالب وطالبة في مجتمعنا الاردني العزيز، قد عادوا إلى مقاعد الدراسة، ومن حقهم علينا وبالتالي من واجبنا تجاههم أن نعزّز عملية التعليم لديهم، التي في غالبها أحيانا تلقين، في أن نبيّن قيم تقبّل الآخر وثقافة اللقاء وعدم التفكير بتجاهل الآخر أو بإلغائه بعيدا عن الساحة. وقد كان جميلا أن نرى أنّ أكبر وفد شبابي مشارك كان قادما من الأردن، وأنّ بعض المدرّبين كانوا أيضا من هنا، هذا فخر مضاعف من جهة، لكنّه، من جهة أخرى، مسؤولية ودعوة لتكاتف الجهود، لجعل ما يعقد من ورشات عمل هنا أو هناك، تصل إلى شرائح أكبر من المواطنين، وتطبّق على أرض الواقع، ليس فقط بالتعلّم النظري، بل كذلك بالعيش اليومي لواحد من أعظم فنون اليوم: أي الحوار.
[email protected]