الاستقواء حالة تصيب الأفراد والجماعات مثلما تصيب الدول، وهي أشبه بالتنمر حين يشعر الشخص الضعيف أو الجماعة الضعيفة أو الدولة الضعيفة في ظرفٍ ما بشيء من القوة يتمنى معها أن يجد خصماً يجرّب فيه قوته ويكون هذا الشعور بالقوة ناشئاً عن وقوف من هم أقوى منه خلفه، فيضمن حمايته ويضمن تغلبه على الخصم المنتظر أو على أوّل خصمٍ يعرض له.
أمّا استقواء الدول، فخير مثال عليه، هو الاستقواء الذي يمارسه الاحتلال الصهيوني لفلسطين على الشعب الفلسطيني وعلى جميع الدول العربيّة وغيرها، نتيجة وقوف الولايات المتحدة الأميركية خلف هذا الكيان ودعمها المطلق له.
أمّا استقواء الأفراد فغالبية الناس تعرف أمثلة عليه أو ربّما تكون مرّت به، عندما يكون الشخص في مأزق وهو بين يدي شخص آخر أعظم منه جثّةً وقوّةً يكاد يبطش به، وفجأة يظهر له أحد أقاربه المقرّبين أو أحد أصدقائه ممّن هو أقوى من ذلك الخصم، فترى هذا الذي كان تحت رحمة الله يمتلئ شجاعةً وإقداماً ويتحول إلى أسدٍ هصور لأنّه يدرك أن ميزان القوى بينه وبين خصمه قد انقلب لصالحه بحضور ذلك القريب أو الصديق.
وأمّا استقواء الجماعات فهو نوعٌ كريهٌ من أنواع الاستقواء ومرفوضٌ حضاريّاً وأخلاقياً، لأنه يعتمد على قاعدة: الكثرة تغلب الشجاعة، حيث يرى كلّ فرد من أفراد جماعة أو مجموعة يجمع بينها شيء مشترك كالقرابة والوظيفة و الانتماء لمكانٍ واحد أو هويّةٍ واحدة، أنّه قادرٌ على أن يعتدي على من يشاء وهو ضامنٌ الغلبة أو أن لا يلحقه ضررٌ من جرّاء ذلك الاعتداء، ويسرّ كثيراً إذا وجد ذريعة أو سبباً لممارسة الاعتداء وتجريب قدرته على إيذاء الشخص أو الجهة المستهدفة. وأكثر ما تقع هذه الحالة في البلدان ذات القوانين الهشّة أو التي يسود فيها أكثر من قانون، وفي هذه الحالة لا يبالي أعضاء المجموعة المعتدية إذا كان المعتدى عليه أو عليهم يمثّل جهة رسميّة مثل جابي مياه أو كهرباء أو رجل سير أو مدير مدرسة أو رئيس جامعة أو وزير أو غير ذلك. ولئن كان من يشاركون في مثل هذه الاعتداءات بدافع الشعور بالاستقواء قد تعرّض أحدهم لبعض الظلم، فإنّ السؤال في هذه الحالة: لو كان هذا الفرد الذي تعرّض للظلم حين وقوع الظلم عليه غير محاط بتلك المجموعة من أصدقائه أو أقاربه أو زملائه هل كان يمارس الاعتداء على شرطي السير وجابي الماء والكهرباء ومدير المدرسة ورئيس الجامعة وغيرهم؟
إنّ أكثر ما يمنع الاستقواء الجماعي هو عدم السماح بتعدّد القوانين وجعل بعضها مرئياً وبعضها مخفياً، وعدم التهاون بأي شكل من الأشكال بالظلم، وعدم التسامح في المحاسبة على الأخطاء أيّاً كان مصدرها، وعدم غضّ الطرف عن أيّ حالة من حالات هذا الاستقواء الجماعي، ومعاقبة كلّ من يشارك فيه بما يستحقّه وعدم الرضوخ لغير مقتضيات العدالة فيه.
salahjarrar@hotmail.com
مواضيع ذات صلة