محمد خروب
في غمرة الحِراك الأميركي المرتبِك,والهادف أساساً الحؤول دون استعادة الحكومة السورية ما تبقّى من أراضٍ,يقع بعضها تحت سيطرة الجماعات الإرهابية وخصوصاً في البادية السورية (السويداء وقاعدة التنف تحت المظلّة الأميركية) ومحافظة إدلب التي تحاول قوات الاحتلال التركي تتريكها وجعلها منصة لابتزاز دمشق والمساومة على مكاسب ونفوذ تظن واهمة ان بمقدورها الحصول عليهما،تبدو قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات القيادة والأغلبية الكردية في حيرة من أمرها, بعد تقلّص هوامش حركتها وظهورها أكثر ارتباكاً إزاء خياراتها المحدودة,وما تزال ذراعها السياسية مجلس سوريا الديمقراطية "مَسد" عاجزة عن تحديد أولوياتها,وبخاصة بعد جولة"الحوار"الأولى مع الحكومة السورية,وصدور تصريحات متضارِبة,تفوح منها رائحة المكابرة وانعدام القدرة على الاعتراف بالحقائق المُعزّزة بالمعطيات الميدانية,وخصوصاً خِذلان"الحليف"الأميركي للمشروع الكردي,الرامي لتأسيس كيان كردي, شبيه بالكيان الذي اقامه اشقاؤهم في شمال العراق (اقليم كردستان). والذي انتهى بعد ربع قرن لفشل موصوف,جرّاء مغامرات طائشة ورهانات شخصية بائسة,أهملَت"عن قصد"حقائق الجغرافية والتاريخ وموازين القوى ومعادلات التحالفات القائمة,وخصوصاً المصالح التي تحكم علاقات الدول في عالمنا.
تصريحات الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية"مسد".. إلهام أحمد,غير المؤكَّدة والتي تجاهلتها دمشق تماماً,عندما زعمت (إلهام أحمد) أنها"لم تلحَظ أي اعتراض من جانب الحكومة في اتجاه الإبقاء على إدارة "الحكم الذاتي"في المناطق الكردية ,وأن الملف الأمني لم يكن مطروحاً",وقولها خصوصاً ان ذهابها والوفد الكردي إلى العاصمة السورية:إنما جاء"لمعرفة جهوزية دمشق للبدء بمرحلة التفاوض والحوار لحل الأزمة في سوريا".. يدفع للتساؤل عن صدقية قيادات مسد وقسد,في وقت تستعِد فيه للإعلان عمّا يُسمى"حكومة شمال سوريا",على ما صدر عن اجتماع المجلسين...التنفيذي والتشريعي لـِ"مقاطعة الجزيرة",مع رؤساء بلديات المنطقة، وإبلاغهم انهم سيتبعون "قريباً"لهيئة تنفيذية تابِعة لـِ"قسد"بعد قرار مجلس سوريا الديمقراطية,الإعلان عن قيام حكومة كهذه؟.
فإذا كان الذهاب إلى دمشق للحوار أو التفاوض مجرّد مناورة,فهل ثمّة ثقة ما تزال لدى قادة كرد سوريا (الذين يتخفّون ــ دون نجاح ــ خلف تسميات مثل قسد ومسد)، بالجانب الأميركي,الذي أسهم بالتعاون مع تركيا في إنهاء أي وجود كردي غربي الفرات؟ وبالتالي حصرهم في شمال شرقي سوريا. وهو يستعد – الجانب التركي – للوصول إلى الحدود العراقية على ما أكد أردوغان (لو استطاع بالطبع.. وهو لن يستطيع)؟.
ستكون هناك حكومتان كرتونيتان إحداهما تتكئ على المحتلّ التركي والمكونة من شراذم المعارضات ويرأسها أحمد طعمة,كقناع سوري لعملية التتريك في الشمال السوري وضمنه محافظة إدلب، والثانية – إذا ما وعندما تقوم – ستكون تحت حماية حراب الاحتلال الأميركي,الذي بدأ حِراكاً ميدانياً لنسف الحوار بين دمشق و"مسد", تجلّى في زيارة السفير الأميركي السابق في البحرين وليام روباك,المفاجِئة لمدينة الطبقة السورية المحتلة, وتأكيده أن الرئيس ترمب"لا يعتزم سحب قواته في سوريا،لدعم الاستقرار في المنطقة".
يكذب الأميركيون كعادتهم...فهم تارة يقولون:انهم باقون حتى إنهاء وجود داعش وضمان عدم عودته للمنطقة,وطوراً لدعم الاستقرار فيها. لكن اهدافهم الخبيثة لم تعد خافية على أحد,وفي مقدمتها اطالة أمد الأزمة السورية،وإحكام السيطرة على منطقة استراتيجية وغنية بالموارد المائية والنفطية والزراعية.وهي بالفعل سلّة سوريا الغذائية والاقتصادية.ودائماً لمقايضة الوجود العسكري الأميركي في سوريا بالوجود الإيراني, كورقة مهمة وحيوية في خطتها الرامية لإسقاط النظام الإيراني,أو تقليص نفوذه الإقليمي ووضع برنامجيه...النووي والصاروخي الباليستي, تحت المراقَبة الدائمة.
ألا يدرك كرد سوريا هذه الحقائق؟. بالتأكيد يعرفها قادتهم عن كثب, لكنهم يُناوِرون ويشترون الوقت,وإن كانوا في قرارة أنفسهم يعلمون, أن الأوراق"القوية"التي يدعون التوفّر عليها,ليست على تلك الدرجة من القوة التي تسمح لهم بـ"حكم ذاتي"، كما ان قوة الأوراق المزعومة هذه, لا تُسهم إلاّ في تكريس مشروع الحكومة السورية المعروف باللامركزية الموسّعة,أما غير ذلك فهو تمسّك بالأوهام ورِهان على سراب.لأن الأميركيين لا يختلفون عن الأتراك وبعض العرب,الذين لاينظرون لكرد سوريا (كما نظرتهم لكل المرتزقة والإرهابيين,الذين جلبوهم من مختلف بقاع العالم) سوى أوراق مساوَمة ودمى وبنادق للإيجار, يتخلّصون منها عندما يخسرون رهاناتِهم أو يأمنون على مصالِحهم
فهل يتّعِظ كُرد ."مَسد"و"قَسد"؟.
[email protected]