فيما يرصد المراقبون تراجع حدة المواجهات على خط التماس الذي «عمّده» العدو الصهيوني بالمذابح التي قارفها بحق اطفال ونساء وشباب قطاع غزة، والتي وصلت ذروتها في مذبحة الرابع عشر من ايار الجاري، لوّح قائد حركة حماس في القطاع يحيى السنوار ان «المحطة القادمة» هي في الخامس من الشهر المُقبل (الذكرى 51 لعدوان العام 1967)، مؤكداً استمرار «مخيمات العودة» في جميع اماكن تواجدها (على خط التماس).. بعد ذلك، حتى تحقيق اهدافها كاملة.
.. «الاهداف الكاملة» التي أشار اليها السنوار, رغم انها غير معلنة او على الاقل المُعلَن منها يؤشر بالدرجة الاولى الى رفع الحصار عن قطاع غزة، وهو ما أكّده رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية خلال خطبة الجمعة الاولى من رمضان التي القاها في المسجد العمري بمدينة غزة.. تبدو «خطوات جادّة» في نظر هنية, عندما ألمح (دون ان يُسمّي) الى اعلان مصر فتح معبر رفح طوال شهر رمضان, والمساعدات التي بدأت بالوصول, لافتاً الى تحرّكات «ظاهرة وباطنة» من أجل «انهاء معاناة شعبنا».
القُطبة غير المخفية هذه بدأت تتحدث عنها أكثر من عاصمة اقليمية وعبر المحيطات, من خلال تسريبات وتصريحات مسربلة بالغموض, يستهدف بعضها رصد ردود الفعل على انباء يبدو انها بدأت ترى في حركة حماس «العنوان» التي توجّه له الرسائل, بعد ان نجحت الأخيرة في جذب واستقطاب الانتباه نتيجة «الحراك» الذي قادته على الخط الفاصل بين القطاع ودولة العدو، فيما اكتفت سلطة رام الله باصدار البيانات واحياناً توجيه الانتقادات الى حماس واتهامها بأنها تأخذ القطاع و»أطفالِه» دروعاً بشرية لتحقيق اهداف سياسية.
ما نشرته صحيفة الحياة اللبنانية يوم أمس حول «توسيط» واشنطن دولة «عربية» لإقناع حماس بـ»صفقة القرن», يندرج في إطار الترويج لمشهد جديد ينهض على استبعاد سلطة رام الله «ومعاقبتِها» جراء رفضها التعاطي مع أي مسعى او خطة اميركية, قبل «التراجع» عن نقل السفارة الاميركية الى القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة العدو.
وإذ لم يُخفِ هنية في خطبته, انه «يرى مساعدات وعروضاَ وتحركات وفتح معبر رفح من أجل انهاء هذه المأساة الانسانية، وهذا يُبنى عليه – كما قال – واصفاً ذلك ببوادر النصر والخير في دماء الشهداء الزكية»، فإن اشارته الى ان حركته «ستُعزّز الشراكة السياسية وتحمي الوحدة الوطنية ولن «تفصِل» غزة عن الضفة الغربية»، يستبطِن ضمن امور اخرى, شعوراً بالثقة وارتفاع رصيد حماس «السياسي» خصوصاً اشارته الى انه ابلغ المسؤولين المصريين باستعداد حماس لـ»تلبية» دعوة حضور اجتماع مجلس وطني «توحيدي» على اساس اتفاق القاهرة وبيروت يضم كل الفصائل ثم الذهاب الى تطبيق اتفاقات المصالحة في 2011.. داعياً الى «رفع عقوبات السلطة عن القطاع بالقول: ان ذلك لا يستوي مع الحديث عن المصالحة، مكرراً دعوته الى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ليس ثمة جديد في ما اضاء عليه هنية, اللهم سوى اعادة ما كان قادة الحركة ادلوا به من تصريحات قبل وخلال جلسة المجلس الوطني الفلسطيني الاخيرة وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة, خلت لاول مرة من ممثلين عن الجبهة الشعبية, فيما تُرِك مقعدان لحركتي حماس والجهاد الاسلامي إذا ما وعندما.. «تلتحقان» بعضوية منظمة التحرير.
يعني أيضاً ان حماس ستبقى «العنوان» في كل ما خص غزة, وهذا ما تعكِسه التسريبات التي تتحدث عن توجّه اميركي للحديث مع حماس (عبر وسطاء), قيل ان مبعوثين من البيت الابيض زاروا دولة عربية (لم تسمّها جريدة الحياة) في الاسابيع القليلة الماضية, واجروا اتصالات معها، بحثوا خلالها الاوضاع الانسانية والأمنية والسياسية في قطاع غزة، كما ناقشوا اموراً سياسية «حسّاسة» مثل فرص إقناعها حركة حماس باتخاذ خطوات سياسية وأمنية في غزة, من قبيل عدم معارضة المساعي الاميركية لحل سياسي شامل في المنطقة (صفقة القرن) وتشكيل «وادارة خاصة» لقطاع غزة من شخصيات مستقلة تتلقى دعماً (مالِياً) اميركياً وعربياً لحل «المشكلة الانسانية» في غزة, وقالت (مصادر الصحيفة): إن الاطراف المختلفة ما زالت في مرحلة «درس الافكار».
تسريبات كهذه يراد منها ممارسة الضغوط على السلطة ورئيسها, والتلويح له بامكانية تجاوزه عبر استغلال الهوّة الشاسعة التي تفصل بين مواقف «رام الله» وتلك التي تقررها حماس في غزة، وهو ما دفع نبيل ابو ردينة الى اصدار تصريح يحمل في ثناياه تهديداً مبطناً لمن يتوهّم من العرب بامكانية «اقامة سلام بدون الفلسطينيين».. ما يعني ايضاً ودائماً ان واشنطن وتل ابيب وبعض العواصم العربية, تسعى لاستغلال احداث غزة وارتكابات العدو الصهيوني بحق المدنيين في القطاع, من أجل ايجاد «كوّة» تستطيع من خلالها «النفاذ» الى ساحة الخلافات الفلسطينية وتعميق الشرخ بين رام الله وغزة وإغراء الاخيرة بمنافع ومكاسب ذات طابع «انساني» وربما «الوعد» بدراسة ما قيل عن «رسائل» من حماس لحكومة العدو (عبر وسطاء دائماً) لإعلان هدنة طويلة الأمد، ما يسمح – اعترفت حماس ام نفت – بفصل القطاع عن الضفة, وتحويل مقترَح «دولة فلسطينية» في غزة الى واقع مُتدحرِّج, يرتبط بطريقة او اخرى بضمانات وكفالات عربية جاهزة للترجمة على الارض. عبر معاودة الوعود –اللفظية –بدراسة «فكرة» اقامة ميناء بحري ومطار جديد.
لم يصدر عن حماس ما ينفي او يُؤكِّد ما اوردته صحيفة الحياة, إلاّ ان اقتراب موعد الخامس من حزيران لن يترك لها ترف تجاهل ما يتردّد من رسائل وتسريبات هي المعنية الوحيدة بكشفها واتّخاذ موقف واضح وشفاف.. منها.
kharroub@jpf.com.jo
مواضيع ذات صلة