كتاب

«انسِحاب» ترَمب: مَهلاً ما يزال «الإحتفال»... مُبكِّراً

بقرار الرئيس الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران, وإن كان ليس اتفاقا اميركيا ايرانيا ثنائياً، بل جاء نِتاج مفاوضات ماراثونية صعبة ومعقدة, انخرطت فيها الدول الخمس دائمة العضوية, اضافة الى المانيا والاتحاد الاوروبي مع الوفد الايراني. ما سمح بالتوقيع عليه في 14 تموز 2015، يمكن القول: ان واشنطن وضعَت اطراف «خطة العمل المشتركة الشاملة» امام معضِلة كبرى, من السابق لأوانه التكهّن بالمدى الذي تحتاجه للخروج منها او الاكلاف التي ستترتب عليها, وبخاصة اننا امام تحدٍ اميركي صلف وسافر, ضد «مروَحة» واسعة من الحلفاء والخصوم على حد سواء, ليس من السهل عليهم الرضوخ له او إبداء الضعف إزاء ابتزاز مكشوف في أنانيته المُفرِطة, يُراد منه تحقيق مكاسب سياسية بصرف النظر عن الخسائر الاقتصادية و»المعنوية» التي ستلحق بهؤلاء الذين تدير لهم واشنطن ظهرها بازدراء، دون اي اهتمام بأي موقف اخلاقي او احترام لاستحقاقات معاهدة دولية كهذه, صادق عليها مجلس الامن في قراره رقم 2231 في 20تموز 2015.

ردود الفعل «الأولية» على قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي تبدو مُتباينة ومتّسِمة بالحذر وإن كان المتأثرون مباشرَة به وفي مقدمتهم ايران, حرِصوا على عدم إبداء الُذعر او اتخاذ خطوات انفعالية (على الطريقة العربية المعروفة) بل منحوا لأنفسهم المزيد من الوقت, لـ»سَبرِ» المواقف الحقيقية او تلك التي تنوي الاطراف الأُخرى الموقِّعة على الاتفاق (عدا أميركا) اتخاذها, لتبني على الأمر.. مُقتضاه, كما تجلّى ذلك في التصريحات التي ادلى بها الرئيس الايراني حسن روحاني, مباشرة بعد «اعلان ترمب» بقوله: «إن على إيران انتظار رد فعل الدول الكبرى على خطوة ترمب, والتي ستسير (ايران) وفقا للأمن الاقليمي والعالمي. سنتّخِذ خطوات تِبعاً لمصالحنا. مُستدرِكاً:اذا حقّقنا اهداف الاتفاق بالتعاون مع الاعضاء الآخرين فسيظلّ... سارياً. لافتاً إلى انه بِـ»الخروج من الاتفاق, فإن اميركا تقوِّض بشكل رسمي التزامها بمعاهدة دولية»..ختم روحاني.

اشارة لا تخلو من دلالة, بأن طهران تذهَب للبحث عن مخارِج والعمل على «زعزعة» صفوف المعسكر الغربي على وجه الخصوص, علّها تنجح في «تصليب» مواقف باريس، لندن وبرلين. علماً ان قادة الدول الثلاث الموقِّعة على الاتفاق, كانوا اعلنوا في شكل موحّد «التزامهم الاتفاق وعدم الخروج عليه». لكن السؤال الأهم يبقى (بخاصة اننا نتحدث عن «اوروبا» التي لا تصمد كثيراً او طويلا امام الابتزاز الاميركي): هل يواصِل هؤلاء اصرارهم على موقفهم؟ أم انهم سيجدون لأنفسهم تبريراً, للإنحناء أمام التهديدات الأميركية؟.

ثمّة موقف حازم سارَعَت موسكو المشتبكة مع واشنطن على أكثر من ساحة,لاتّخاذِه بعد ان عبّرت عن اسفها العميق لقرار ترمب مؤكدة عزمها على مواصلة التعاون الثنائي والحوار السياسي مع طهران. معتبِرة ان خطة العمل المشتركة الشاملة تمثل اتفاقاً بالغ الأهمية وانها ليست ملكاً للولايات المتحدة فقط، لكنها انجاز للمجتمع الدولي كله, وان واشنطن تنتهك بشكل سافر قواعد القانون الدولي. وان قرار الإدارة الأميركية انما يقوّض الثقة الدولية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ليس ثمة شكوك بأن موسكو التي احتفلت يوم أمس بيوم النصر في الحرب الوطنية العظمى التي خاضتها ضد النازية والفاشية, ستجد في القرار الأميركي الأرعن, مناسبة لتصعيد حملتها السياسية والدبلوماسية على واشنطن وخصوصاً انها رأت في اعلان ترمب «..عجزا اميركيا عن التوصل الى توافقات, وان قرارها هذا ليس إلاّ سِتاراً لتسوية الحسابات السياسية مع طهران».. ولهذا –في ما نحسب – ستبذل موسكو كل ما في وسعها, من اجل دفع الدول الاوروبية الثلاث لمواصَلة إلتزام الاتفاق, وبخاصة ان «الصين» تتخذ الموقف ذاته ولن تسمح بتقويضه من جانب واحد. علماً ان اعلان ترمب يسبق القمة الاميركية الكورية الشمالية، حيث اثبتت قيادتها انها على درجة عالية من الذكاء والدهاء سترى في الانسحاب الاميركي دلالة ساطعة على عدم الوفاء الاميركي بالتعهدات او إلتزام المواثيق الدولية. ما بالك «الثنائية» خصوصاً أن الذاكرة الكورية الشمالية لم تغادر عِبَرَ التجارب «العربية» الطازجة, خصوصا تجربتي العراق وليبيا او قُل...مصير صدام والقذافي.

المتمِّحسون الذين رأوا في إعلان ترمب...»فرصة كبرى», يمكنهم – ان ارادوا – التوقّف عند القائمة التي نشرها البيت الابيض بعد انسحاب ترمب والمكونة من «14» مطلبا عرضتها واشنطن على طهران, كي تستجيب لها اذا ما ارادت تجنّب عودة العقوبات. أوّلها... «التخلّي عن السعي الايراني المُعلَن للقضاء على اسرائيل» ووقف طهران «دعمها للارهابيين والمتطرفين, وكذلك وكلاؤها في المنطقة مثل حزب الله وحماس وطالبان والقاعدة».. وأن عليها ليس فقط التخلّي من الآن فصاعداً على تصميم الاسلحة النووية، وانما ايضا عدم امتلاك صواريخ باليستية عابرة للقارات ووقف العمل على انتاج الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية, او تقديم الصواريخ الباليستية لجهات أخرى».

هل تُساوِر احد الشكوك بان المطلوب اميركياً هو إراحة اسرائيل بالكامل, وعدم إعاقة مشروع الأسرَلة والصهينة للمنطقة؟ وإلاّ لكانت واشنطن اصرّت على مطالبها هذه, في الوقت ذاته الذي اعلنت فيه عزمها على «اقامة شرق اوسط خالٍ من الاسلحة النووية». لكن ذلك ليس على جدول اعمالها, ولنتأَمّل التصريح الذي أعلنَته ميري ريغف وزيرة الثقافة في حكومة نتنياهو الفاشية, بعد إعلان ترمب: «..وعد بلفور ضَمِنَ وطناً قومياً لليهود..وإعلان ترمب يُحافِظ على هذا الوطن القومي... إلى الأبد».

يمكن للمرء الإستنتاج بـ»تحفّظ» ان حرباً اميركية اسرائيلية قد اقتربت, وليس صدفة وَصْف نتنياهو قرار ترمب بـ»الشجاع والصحيح», فيما رأى فيه افيغدور ليبرمان بأنه «خطوة قيادية شجاعة، ستؤدّي في النهاية, الى إسقاط النظام الإيراني».

kharroub@jpf.com.jo