احمد ذيبان
كانت مفارقة، أن يعقد المنتدى الزراعي الأردني الأول المعني بالتنمية الزراعية ، على شاطيء البحر الميت الذي تنعدم في مياهه الكائنات الحية ،بينما الزراعة تعني الحياة ،وذكرني المشهد برواية الراحل مؤنس الرزاز «أحياء في البحر الميت « ! لكن الأكيد ان اختيار الموقع لعقد المؤتمر له بعد سياحي! فضلا عن كون منطقة وادي الأردن عموما منطقة زراعية بامتياز ؟ ولعلها مصادفة لافتة أن الطقس كان متقلبا وغير مستقر ، يوم افتتاح المنتدى يوم الاربعاء 25 نيسان ، وكان هدف انعقاد المنتدى الترويج للمنتجات الزراعية الأردنية الحيوانية والنباتية، وفتح قنوات للتواصل مع مختلف دول العالم ،لاستقطاب الشركات الحديثة في الشأن التكنولوجي.
الامير الحسن ، الذي ناب عن الملك في افتتاح المنتدى ، تناول بالتفصيل في كلمة الافتتاح ، أفكارا لخطط وسياسات تختص بالتنمية المستدامة ، والتأكيد على تفاقم تحديات شح المياه وتزايد عدد السكان ، فيما يتعرض العالم الى تغيرات مناخية متسارعة ،وعبر عن ذلك بملاحظة طريفة ،بالاشارة الى ارتفاع نسبة الرطوبة داخل القاعة بقوله: « التغيير المناخي أخذ مني الشيء الكثير..وقام بخلع الجاكيت « !
لكنه استدرك فأشار الى كثرة الفنادق في منطقة البحر الميت ، فوصف السياحة بأنها «لمحة بصر» ، لكن لو تم التركيز على الاستفادة من مياه الأمطار ،التي تذهب سدى وتتبخر في الوديان الواقعة بين الجبال المطلة على منطقة الاغوار ، من خلال تنفيذ مشاريع للحصاد المائي وبناء السدود ، لكانت النتائج أكبر في إطار التنمية المستدامة. لتأمين مستقبل أفضل للأجيال القادمة ،وبالمناسبة يجدر الى الاشارة الى أن للامير الحسن، بصمات في تنمية منطقة وادي الاردن ، وهي منطقة زراعية بامتياز ولها خصوصية في المناخ ،من خلال متابعته المباشرة لعمل سلطة وادي الاردن ،التي عملت على تنمية الوادي خلال عشرات السنين !
المؤتمرات والندوات التي تبحث التحديات التي تواجه القطاع الزراعي مهمة ، مثل المنتدى الذي عقد في البحر الميت ، لكن ليس مطلوبا تكرار تشخيص المشكلات التي تواجه القطاع وهي معروفة ومتراكمة ، تتعلق بارتفاع كلف الانتاج وأزمات التسويق ،وشح المياه ومديونية المزارعين ، وارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام تساقط الامطار ، وبالمناسبة يتم التركيز هذه الايام على الظروف الاقليمية الملتهبة ، وإغلاق الحدود أمام الصادرات الزراعية كأحد التحديات التي تواجه القطاع الزراعي ، هذا صحيح.. لكن ينبغي الاشارة الى أن مشكلات القطاع مستعصية ، وقد كتبت عنها مئات المقالات والتحقيقات والتقارير الصحفية خلال ثلاثة عقود !
ويمكن ملاحظة تداعيات تلك المشكلات من خلال الاحباطات التي تواجه المزارعين ،بخاصة في منطقة الاغوار ،التي يعبرون عنها في العديد من المواسم ، برمي المحصول في الشوارع والساحات العامة ، عندما تنخفض أسعار المنتجات الى «تحت الصفر»، بمعنى أن المزارع يتعب ويشقى ويدفع الكلفة ، لكن الانتاج يباع بأقل من الكلفة ،وثمة عشرات الالاف منهم مطلوبون للمحاكم والتنفيذ القضائي ، بسبب عدم قدرتهم على تسديد الديون المترتبة عليهم للجهات الدائنة ،سواء كانت رسمية أو الشركات ومحلات بيع المواد الزراعية !
المشكلة أن ثقة المزارعين كما في العديد من القطاعات الأخرى ضعيفة في مخرجات المؤتمرات والندوات من توصيات وقرارت ، وانا أظن أن وزير الزراعة المهندس خالد حنيفات نشط وجاد في تحقيق انجازات ، تخدم قطاع الزراعة وتسهم في حلحلة المشكلات ،
واشار في كلمته الى قرارات لتحفيز البيئة الزراعية، بينها تفعيل عمل صندوق المخاطر الزراعية، والمضي بانشاء شركة للتأمين الزراعي، كما تضمنت أفكارا ومقترحات ايجابية ، بينها تأسيس شركة للتسويق الزراعي ،تعمل وفق تعاقدات مسبقة مع المزارعين ، وهذه تعيد الى الاذهان تجربة النمط الزراعي التي جربت في فترة سابقة ، لكنها فشلت بسبب عدم التزام الجهات الرسمية بشراء الانتاج من المزارعين !
والجديد المهم في المشروعات البينية المشتركة لخدمة القطاع الزراعي، توقيع اتفاقية على هامش المنتدى ، لتأسس شركة أردنية فلسطينية مشتركة للتسويق الزراعي ، التي يندرج ضمن خطتها إقامة مطار زراعي في منطقة الأغوار، يعنى بتصدير المنتجات الزراعية ، عبر إقامة مدرج من شأنه أن يشكل نقلة نوعية ،في مسألة التصدير ومعالجة الاختناقات التسويقية. أرجو ان لا تكون الشركة مجرد فكرة مؤقتة ، وأن تجد طريقها للتنفيذ..