احمد ذيبان
من طرائف «لعبة الكبار» في مجلس الأمن ، مسارعة روسيا لتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن، لادانة الضربة الغربية لسوريا بعد ساعات من وقوعها ، وهي تدرك مسبقا أن المشروع مصيره الفشل ، بسبب جاهزية «الفيتو « الذي تمتلكه الدول الثلاث التي نفذت الضربة «أميركا وبريطانيا وفرنسا» ، وحصل مشروع القرار على ثلاثة أصوات فقط من أصل 15 عضوا ! وقبل ذلك بأيام ردت موسكو على «تغريدات «ترمب ،بتوجيه ضربات صاروخية « لطيفة وجميلة وذكية» لمواقع النظام السوري ، عقابا له على استخدام الاسلحة الكيماوية في دوما بانها ستسقط تلك الصواريخ، لكن الصواريخ جاءت دون ان تحرك روسيا ساكنا ،وفق حساباتها الخاصة ! ومع ذلك فان ما تعرضت له سوريا هو عدوان على بلد عربي مرفوض.
منذ نحو سبعة أعوام يشهد مجلس الأمن ، تراشقا كلاميا بين» الخمس الكبار» ، وكانت إرادة المجلس مشلولة كمؤسسة دولية معنية بالسلم والامن العالمي ، عن اتخاذ قرار حقيقي لوقف حرب أهلية ،تعصف بدولة عضو مؤسس في الامم المتحدة ، وتحولت الى ساحة صراع وحرب بالوكالة بين تحالفات دولية ، تضم عشرات الدول متناقضة في مصالحها ، بالاضافة الى عشرات الميليشيات الطائفية المسلحة القادمة من دول عديدة
خلال سنوات الحرب السورية استخدمت روسيا «الفيتو» نحو 13 مرة ،لإفشال قرارات لايجاد حل سلمي للأزمة ، ولم تكن الخلافات بين» الكبار» لمصلحة الشعب السوري، بل في إطار لعبة الصراع بين الدول ،التي تشارك بشكل مباشر أو بالوكالة في الحرب ، وأصبح لها قواعد عسكرية في سوريا ، مثل أميركا وحلفائها المناهضة للنظام ، وروسيا وايران بالاضافة الى العديد من الميليشيات التي تشارك في قتل الشعب السوري وتحمي النظام.
« الفيتو» من نتائج الحرب العالمية الثانية ، حيث فرضته الدول المنتصرة حينذاك « أميركا وروسيا والصين وبريطانا وفرنسا» ، وهو يشكل أسوأ أداة لفرض إرادة الدول الكبرى، التي تستخدمه بطريقة انتقائية. وثمة قرارت محدودة غامضة وضبابية، تم التوافق عليها لم تتضمن آليات عملية لحل الأزمة السورية. مثل القرار الذي تبناه المجلس في 25 شباط/ فبراير الماضي ، بعد تفاقم الوضع الانساني في الغوطة الشرقية ، ويدعو القرار للالتزام بهدنة في كل أنحاء سوريا لـ 30 يوما ،والسماح بإدخال المساعدات إلى كل المناطق المحاصرة في سوريا، لكن سرعان ما تم خرق القرار ، من قبل قوات النظام والقوات الروسية !
ومن القرارات التي توافق عليها المجلس، قرار رقم «2254» بتاريخ 19 كانون أول/ ديسمبر 2015، لدعم خطة لإنهاء الحرب في سوريا، دون أن يتضمن أي نص حول مصير الرئيس الأسد، وهو الأمر الذي يشكل « عقدة « الأزمة بين اللاعبين. وينص القرار على أن تبدأ في مطلع الشهر التالي مفاوضات بين النظام والمعارضة حول عملية انتقال سياسي تنهي الحرب.
ومنذ ذلك القرار جرت جولات متواصلة من المفاوضات في جنيف وفينا وسوتشي وأستانة ، لكنها تدور في حلقة مفرغة ، فيما تتواصل الحرب ويقتل المزيد من الارواح ، وفقدت الدولة سيادتها بالمطلق ، وأصبح النظام مجرد صورة يتباهى ببقائه في الحكم ! ويدفع الشعب السوري الثمن ، بسب تضارب مصالح الدول النافذة ! وأصبحت البلاد مستباحة جوا وبرا ، وبضمن ذلك مئات الغارات الاسرائيلية خلال السنوات الماضية ، كان آخرها ضرب مطار «التيفور» العسكري ، وقتل العديد من العسكريين الايرانيين
ومن سخريات القدر أنه وسط هذه الحالة التراجيدية ، يصر النظام انه «المنتصر» ويعلن بشار الجعفري مندوب سوريا في الامم المتحدة ،خلال جلسة مجلس الامن ،التي أعقبت الضربات الصاروخية الغربية يوم السبت ،أن «سوريا لن تسمح لاي قوة خارجية بتقرير مستقبلها «!
مهما قيل عن تغريدات ترمب وتضاربها، لكنه بالنتيجة نفذ ما قاله ، ويمكن ربط ذلك بما طالب به أخيرا دولا عربية ،بدفع كلفة الوجود الاميركي في سوريا ! وتبقى أميركا دولة مؤسسات ، ربما تكون الضربات الصاروخية استعراضية أكثر مما تمخض عنها من نتائج عملية، لكنها تحمل رسائل سياسية الى روسيا وايران وحلفاء النظام، مفادها بأن واشنطن وحلفائها شركاء في تقرير مصير التسوية !
[email protected]