إذا سمحت لك الحياة أن تعيش بقرب من يحبك ويفهمك ويقدرك كن سعيداً حيث ستكتسب كل يوم عمراً جديداً وقوةً وألقا. كن سعيداً لأن ابواب السعادة شتى ومنافذ الحظ عديدة وأحداث الحياة تتبدل مع الدقائق.
كن سعيداً كلما تعاملت مع عائلة محبة يكللها الوفاء فالأيام قد وهبتك أثمن كنوزها. الأب والأم نصفان تائهان جمعتهم الحياة وتجلت لهم بدائع الفجر ووهبت الشمس لهم بعضاً من ضيائها فكانت الأسرة والأبناء.
تقاربت الأرواح في صورة من صور الإنسانية لتعكس الفطرة السليمة حيث تسمو المودة الى الأفقِ الأعلى كجناحين خفيين يحلقان فوق الرؤوس الطيبة فتقودها وترعاها. وهل أجمل من الأسرة التي تستوعب كل تأثير صالح!
عمر مضى وبلغت العائلة حد الكمال وبدأ افرادها بتبادل مكنونات القلوب وأسرارها فليس هناك أروع من البعد عن حصن الأنانية لاكتشاف ما عند كل فرد من نبل ولطف وطيبة وذكاء. هو القرب والعاطفة الصادقة والدفء الذي يجمع الأبناء بوالديهم. أفراد العائلة الجميلة وهبت لهم الحياة عاطفتها وهيأت لهم تبادل الاحاديث التي تصفي الانفعالات المتعكرة فأصبح لكل منهم قلب شفاف نوراني متلألئ كحجارة الكريستال.
نورانية المحبة التي عكست الألق على كل فرد حتى باتت تستقرئ الطمأنينة على وجهه. لقد دأبت الأسرة على السير جنباً الى جنب بخطوات هادئة ثابتة في إصرار على تبادل دوائر الأفكار لتتقد شموس النفوس نحو الخير والرضا. كل دقيقة تمر تحمل خبرة وبصيرة وأصالة الرأي من أب حنون وأم محبة.
عائلة يعيش افرادها برضا ومحبة فطرية وهبها الله لكل فرد منهم يمزحون يبتسمون ويتفرسون في خطوط البقاء. جميلين كشجرة خضراء كبيرة متعددة الفروع، كثمرة غزيرة العصير امتلأت حتى الاكتمال. لكن يد القدر اختارت رحيل الأب الحاني.
إلى روح أبي العزيز رحمة الله عليه أكتب.
أبي بنظرك النافذ الهادئ تذوقت غبطة من له عين ترقبه وتهتم به فما ذكرتك إلا ارتدت نفسي ثوب الفرح والطيبة والصلاح والنبل والكرم وأصبحت أرغب بأن أنثر الخير والسعادة على جميع الخلائق. أنت من كنت أطلعه على ضعفي واحتياجي.
أبي أنت من كنت أخبره عن ارتباك فكري وكنت أسر لك كلما اشتبكت أمامي السبل فتقدم لي الرأي والنصيحة وتمنحني ابتسامة تنير الطريق وتجعل الحياة أقل عنفاً. كنت تقول لي لا تتمسكِي بمن لا يقدر قيمتكِ ولا تقتربي مما ليس لكِ فأنتِ في غنى عن جناح وهمًي يعيق فكرك. كان لي بك ثقة ويقين فكنت أشعر بأنني محفوفة بجناحين ومتوجة بإكليل.
رحلت أبي منذ سنين لكن قلبي ما زال يفيض دموعاً حين أذكرك وكلما مر طيفك أمامي. في ذاكرتي أنت الرزانة والمحبة والعاطفة النبيلة وفي أعماق نفسي يتصاعد العرفان والشكر لك على هيئة دعوات أسال الله أن يصل نسيم عطرها إلى حيث حلقت روحك الجميلة.
أبي كنت لي حكاية البشر المجتمعة في فرد واحد وسأبقى أحفظ ذكرك في خلوتي وأُعيد الحكاية التي تخلد تعبيرك ومعناك. أبي وكأن قلبي يهمس لي «ليت الآباء لا يشيبون ولا يمرضون ولا يرحلون» مؤمنة حد اليقين أن روحك الطاهرة تسمعني فتبتسم، أما روحي فتقرئك السلام وتهديك الرحمة أنت وكل أرواح المؤمنين.
A_altaher@asu.edu.jo
مواضيع ذات صلة