عبدالهادي راجي المجالي
توجهت مع زميلي ماجد الأمير أمس إلى البلد , وفي الطريق شاهدنا سيارة فيها والدة فاضلة جدا , ومجموعة من الصبايا ..يبدو أن إحداهن قد نجحت في التوجيهي , ويقمن بالإحتفال بطريقة صاخبة ومزعجة نوعا ما, فواحدة من البنات خرجت من فتحة السيارة وكانت تمارس الصراخ بطريقة غريبة , على وقع موسيقى (إلعب يلا ..) .
أنا لا أعترض على الفرح , لم أكن ضد الفرح يوما ..ولكن ما أزعجني أن هذه البنت , كانت تمارسه بطريقة فجة ..فهي تارة تقوم بالتطبيل على سقف السيارة , وتارة (تنطط) ..وتصفق طبعا بمصاحبة وتشجيع من عطوفة الوالدة والصديقات .
قلت لماجد الأمير , ونحن نشاهد المنظر باستهجان وألم ..قلت : حين كانت والدتي في عمر هذه الصبية , كانت أما ربما لثلاثة أطفال ..وكانت تجيد طبخ المناسف , وإعداد طناجر الرشوف ..كانت تطعم الأطفال وتنظف المنزل , وفي لحظات الفراغ تخيط ما تفتق من ملابس أبي ...كانت أما ومهندسة وطباخة ماهرة , ومصنعا للحنان ..ومجمعا لإنتاج الرضى ,والأهم أنها لم تترك صلاة إلا وقامت بتأديتها في موعدها .
قلت لماجد ..هل هؤلاء فعلا يحترمون وجع الناس , يحترمون الأسى النابت على الوجه , يحترمون على الأقل غضبة من لايملك الخبز في داره ...قلت له أيضا : البنات فرحهن الرضى , وكحلهن الأدب ,وربما نظرة من عين واحدة منهن تعطيك طاقة ليوم كامل .
أوجعني المنظر ففيه امتهان للأنوثة , أنا رجل أربعيني لم أذكر أني يوما جلست على سقف سيارة وقمت بالتطبيل ..ولم اجرؤ يوما على فعل كهذا , مع أن جنوني في الصحافة يتيح لي ذلك ..
القصة ليست فرحا في نتائج التوجيهي , القصة هي امتهان لأنوثة البنات ..وضجيج شوارع , والأهم من ذلك أن الأخت الفاضلة حتى لو حصلت على معدل مقداره 100% فعلينا أن نكون واثقين بأنها لن تحب في المستقبل لاعمر المختار ولا صلاح الدين ...
رحم الله أمهاتنا ...فقد كانت علاماتهن في الرضى أعلى من كل العلامات ..وكانت علاماتهن في السجود لله والدعاء للأولاد والزوج أكثر قيمة من أي مبحث أو مادة ...رحم الله أمهاتنا فبعد رحيلهن صرنا نشعر أن الأمومة هي الأخرى ..عليها مؤامرة .