عبدالهادي راجي المجالي
بلغ صبيح المصري الثمانين , من دون خجل ..لا من الشيب ولا من العمر ولا من الأيام , وظل يعمل ..يجلس في مكتبه , يقابل الناس ويوقع على الأوراق , ويتحدث مع الاصدقاء ..ويعود لمنزله منهكا وأحيانا ينام ..وأحيانا يأخذ بعض الأوراق كي يدققها .
حين تكتب عن صبيح المصري ..أنت لاتكتب عن رجل يجلس على كومة من المال , أنت تكتب عن مواطن أردني ..لديه الألوف من الموظفين والألوف من العائلات الأردنية , ولديه بنوك ..واستثمارات ومؤسسات , ورواتب توزع في نهاية كل شهر ..ولديه شيب نبت على المفرقين ..وأذن أعياها المدى , وعليك أن تقترب منها وأنت تحدثه حتى يسمعك ...
يوم الأحد الماضي سألته عن المشهد فقال لي :- أنا بطبعي متفائل ولدت هكذا وسأعيش هكذا ...وأنا مثله بالرغم من كل هذا الحطام الذي حولنا لا نملك سوى التفاؤل , بالرغم تغريبة النخل ..وتغريبة الموقف , علينا أن نتفاءل ...
صبيح ليس مواطنا عاديا , وعلينا أن نتعاطى معه على أنه جزء من الأمن الإقتصادي الوطني , هنالك فارق بين ثروات صغيرة أنتجت بفعل (الهبش) و(الكوميشن) ..وبين ثروات ضخمة , شكل إنتاجها في لحظة من اللحظات أمنا إقتصاديا وطنيا ...ويجب أن لا ننكر أن هذا الرجل استطاع أن ( يأردن) بنكا مثل البنك العربي ...وأن يكون مؤتمنا على استقرار السوق .
الكتابة عن صبيح ليس دفاعا عن شخص , وإنما هي دفاع عن ظاهرة أردنية وفلسطينية وعربية , ودفاع عن رصيد إقتصادي وطني ..وبالرغم من كل ما كتب عنه وما قيل عنه , وما سيقال عنه وما سيكتب عنه إلا أنه سيبقى رأس مال وطني ...ضخ كل ما يملك في العقبة و(الديسة) وعمان ...والأهم أن الإقتصادي الناجح أو رأس المال الناجح , هو الذي يجيد ضخ الفرح في وجوه الناس ..صناعة الشك والخراب سهلة , لكن الفرح صناعة صعبة واستثمار أصعب وعلينا أن نفهم معنى القيمة الحقيقية لرأس المال ..حين توجه لإعمار وطن ..ولصناعة الفرح .
أعرف أن الكتابة عن صبيح صعبة , لكن الإنحياز لأبناء بلدك ..للرابضين عل هضباتها , للذين لم يغادروها ..ولم ينكروا فضلها عليهم ...ولم يخذلوها حين طلبتهم ..هو واجب والحرف في هذه الحالة مسؤولية جسيمة ..حماك الله يا رفيق .