أبواب

السدو.. نقوش تراثية مستوحاة من البادية

ألوان خلابة ، نقوش تراثية غاية في الاتقان، مهارة وإبداع ،هذه هي حرفة نسج الصوف أو فن حياكة بيوت الشعر المعروفة ب»السدو». «السدو» عرف بأنه رمز للتراث الأردني ، مستوحى من حياة البادية ليعكس قصصاً وحكايات وروايات يعيشونها ويترجمونها في فن حياكة «النول» أو السدو التي تتم يدويأ بدءا من غزل خيوط الصوف، والوبر، والشعر، ومن ثم صبغها ،ونسجها بإسلوب يجمع ما بين روعة الإتقان، وسحر المكان.

في ذلك الزمن الجميل كان للبساطة معان طيبة عند أهل البادية، وكان الحب حاضرا بين الناس، يترجمونه تعاونا وتعاضدا وألفة، وهم يعيشون ظروفا صعبة، فرضتها سطوة الحياة على روتينهم اليومي ،فلجأوا الى الإبداع والفن ،فظهرت إبداعاتهم نقشا تراثيا غاية في الروعة والإتقان، وخصوصا صناعة (النول) اليدوي او ما يسمى (السدو).

قبل وفاتها – رحمها الله–بأسابيع قليلة، استذكرت الحاجة «وضّحى» ذلك الزمن الجميل، الذي عاشته بحلوه ومره، منذ بداية القرن الماضي وحتى أيامها الأخيرة؛ فكان لها مع (النول) حكايات، باعتبارها واحدة من أمهر النسّاجات في تلك الحقبة. كما تُعدّ سيدة (السدو) حسب تسمية البعض للنول الأرضي ملاذا لغيرها من النسوة اللواتي يقمن بنسج البسط التقليدية، يرجعن إليها في القياس والأطوال والألوان.

ورغم تقدمها بالعمر إلا أنها كانت تمتلك ذاكرة قوية، جعلتها قاصّة متمكنة من سرد التفاصيل كاملة، فهي تتحدث عن النول بطريقة كما لو كانت تتابع الأحداث بالصورة والكلمة؛ كانت تُحسن استخدام (المشقاة) وهي عبارة عن قطعة من الحديد لها رأس «معقوف» متصل بمقبض ، ينسج الخيوط الملونة بعناية فائقة. كماظهرت براعتها في تنسيق الألوان التي غالباً ما يتم صبغها منزلياً، وبموادَ طبيعية مستخلصة من لحاء بعض الأشجار بالإضافة للألوان الصناعية.

«السدو « شبه غائب عن حياة البدو وتراثهم، لكنه بقي شاهداً على ذاكرة حية لحياة طيبة عاشها الأجداد في زمن غابر، فتراه في بعض الدكاكين التراثية التي تنسجه بطريقة مختلفة عن تلك التقليدية ، للترويج له اقتصاديا ونشره على نطاق المنطقة العربية.

في الماضي كان الأردنيون بدوا رحُلّ، يستخدمون بيوت الشعر، ويربون الماشية بأنواعها، الأغنام والأبقار والماعز والجمال، فيستخدمون غزل الصوف في كل تفاصيل حياتهم فتلك كانت ثروتهم وهي المصدر الاساسي ل»حالهم وترحالهم «.

من وبر تلك الماشية وأصوافها وشعرها، يصنعون بيوتهم، التي يعتمدون عليها كأماكن سكنهم ، وخاصة (بيوت الشعر)، كما يستخدمون الأصواف لصناعة البسط وأكياس الدقيق التي تُسمّى (العِْدل)، وأخرى تستخدم لوضع مستلزمات الرحيل والادوات والطعام فيها على ظهر الدواب، تُسمّى (خُرج).

صناعة تلك الأدوات لها مدلولاتها، وطقوسها، وطرائق حياكتها، كبيت الشعر، الذي يُصنع تحديداً من شعر الماعز السّواد؛ ذلك لأنهم يعتمدون في معيشتهم على تربية الأغنام والأبقار والإبل. فقد كان شعر الماشية مصدرا أساسيا لصناعة خيوط الغزل، حيث يتم جز الصوف في فصل الصيف، ثم يصار إلى غسلة، وبعد ذلك يتم غزله في المنازل على آلة خشبية لها ذراع إسطواني تقوم المرأة بدحرجته بقوة، في الوقت الذي تقوم به بتهيئة الصوف بأصبعيها بمهارة من (الجزة) الواحدة بالتساوي، لتصبح الخيوط على نسق واحد.تجمع الخيوط المغزولة، ليتم صبغها، في قدور تحتوي أنواع الصباغ بألوانه في ماء حار.

أما المرحلة النهائية فهي صناعة النول الارضي، حيث يتم وضع عمود خشبي أملس من جذوع الأشجار، ويثبت على الأرض بواسطة ربطه بأوتاد، ثم تقاس مسافة 100 ياردة، ليوضع جذع آخر يثبت بذات الطريقة، ثم بعد ذلك تمد الخيوط بطريقة مزدوجة بين الطرفين ذهابا وإيابا، ويراعى وضع الألوان؛ وفي بداية النول توضع ما يسمى (النيرة) وهي ذراع خشبية ترفع عن الأرض مسافة نصف متر، وتعلق بها خيوط داكنة، لتتشابك مع خيوط النول، بحيث يتم نسجها بأداة (المشقاة).

غالبا ما تجتمع النسوة للمساعدة في مد السدو ونسجه، وتقوم صاحبة النول بتقديم القهوة السادة والشاي للنساجات، وبعد الإنتهاء يتم حياكة الأطراف وقصها، تخرج قطعة فريدة بألوانها ومتانتها ورونقها. ثمة تمييز بين الوبر والصوف وشعر الماعز السمار، فكل نوع له صناعة مختلفة، فشعر الماعز يستخدم لصناعة بيوت الشعر، وهي تأتي باللونين الابيض والأسود، كما يتم صناعة أكياس الدقيق، لأنها لا تسمح للماء بالتسرب إليها، اما الاصواف والوبر فتستخدم لصناعة البسط والحقائب ذات الأهداب، التي توضع على ظهور الخيل، ومنها ما يستخدم للافراد لوضع الزوادة بها.وتكون صناعة بيوت الشعر قطعا منفصلة باطوال كبيرة تسمى (شقاق) يتم جمعها وحياكتها بطريقة متقنة.