كان معنا في المدرسة , وكان طالبا مجتهدا , وأتذكر أن والدته كانت تقول عنه أنه سيصبح وزيرا حين يكبر , وكنا نناديه معالي السيد (حسونة) ..لا عليك يا رفيق فوالدتي أيضا , كانت تظن أني سأكون إمام المسجد حين أكبر ..لقد خذلنا أمهاتنا في التوقعات ..لست وحدك من خذل أمه .
تجاذبنا أطراف الحديث والذكريات , ومن ثم مضيت ..وأكملت مسيري , وفي زاوية بعيدة , جلس عاشق وعاشقة ..وبدا أنهم يتبادلون العتب , على ماذا لا أعرف ولكن الشاب كان يعاتبها بلوعة وهي تستمع ..في الحب وحده يغفر العاشق ..ويبدو أنه تجاوز عن كل صدها وخذلانها , وأنا تأملت المشهد وسألت نفسي ..هل يولد للفقراء عشق في أروقة المال وتمويلات البنوك , وأسماء الماركات العالمية ؟
في (البوليفارد) كل شيء موجود , والشوارع نظيفة , والسيارات التي تمر جميلة وفارهة , والصبايا مثل زهر اللوز ...نسمة هواء سكرى قد تطيح به ...ولكنه ربما نسوا أو تناسوا أن لهذا الوطن روح وهوية ...لم يقوموا ببناء ولو طابق واحد , يدل على الأردن ...لم يستحضروا ولو جزءا من تراثنا هناك ..
أنت في دبي إذا التقطت صورة من أي مكان ستعرف أنها دبي , وفي لبنان قم بالتقاط صورة لك ..واي واحد يراها سيعرف أنك في لبنان ...وتركيا كذلك واليونان ..لكن في العبدلي نسوا هوية المكان تماما , علما بأنه بني على تراب جبل .. بالشخصية العسكرية فهناك كانت القيادة والمخابرات ونادي ضباط الأمن العام ..ومبنى الإستخبارات ومالية القوات المسلحة ...وهناك كانت الذكريات كلها .
نحن بلد غريب , فحين نخطط لأي مشروع جديد , أول شيء نفعله قبل هدم المباني القديمة هو هدم الذكريات ...لو أنهم حافظوا قليلا على ذكرياتنا فقط .
