كتاب

الشمس

كل شيء تغير ...كانت سميرة توفيق , حين تظهر على الشاشة ,وتطلق غمزتها تنعش القلب وتذكر الرجال بما مضى من الحب ..كانت مثل وردة جورية , والنساء تعتريهن الغيرة من جمال عيونها وغمزتها ..سميرة تغيرت أصبحت في السبعين من العمر ولم تعد تستطيع الوقوف ..وتحتاج الان لعكازة ...يا ليت أن الزمن لم يعبر .

أتذكر المرسيدس (اللف) ...كانت أعلى طموح لدى الأردني , وحين يشتريها لابد من وضع (جاعد) على الكرسي لزوم الشعور بالراحة , ولا بد أن تأتي العشيرة للمباركة لصاحبها , وكنا ونحن صغارا أغلى أمنياتنا أن نطلق زامورها ..ونصعد فيها خلف المقود ونشم رائحة الجلد ...كانت كل العائلة تشترك في غسيلها , بمن فيهم الإبن الأصغر (عطالله) ..وقد قيل أنه تلقى صفعة على الوجه ذات يوم , لأن طعم جلد (التابلو) أغواه ..فترك اثار أنيابه عليه حين كان جالسا في حضن عطوفة الوالدة أثناء رحلتهم لعمان , مما حدا بالوالد لصفعه .

كانت خيارات الضيافة محدودة أيضا , فإما شاي بنعنع وإما شاي بميرمية ..وأغلبهم كانوا يختارون الميرمية , وأنا لم أعرف لماذا كانت العشيرة كلها تعاني من المغص ؟ لم يكن في زمننا (زنبركجي) موجودا ولم تكن الشوكلاته حاضرة في الضيافة ...والكنافة كانت بعيدة المنال ...للعلم أنا كنت من جماعة (الشاي بميرمية) .

كانت أكثر الأمراض شيوعا هي الصداع , واشهر علاج هو (الريفانين) ..وكان الرجال يستعيضون عنه بربط الرأس بشماغ مهدب والنوم ...وحين كنا نذهب للطبيب كان العلاج كلمة ( جوزوه هاظ بدو عروس) ...فقد قالها الطبيب لأبي ذات يوم وأنا صدقت الأمر , وحين خرجنا من المشفى سألت أبي ببراءة طفولية وصدق :- (متى بدك اتجوزني يابا) ...فقال لي :- (لما اتجوز أنا يا بوي بعدين بجوزك) ...

لا أعرف لماذا أحن إلى زمان ..ربما لأن الحاضر من دون طعم , فأنا الأن أشعر أن الشمس تحاول الإنتقام مني , لم تتوقف موجات الحر أبدا ...زمان كانت الشمس حنونة كانت ساطعة على الحيطان والبلاط والأرصفة لكنها كانت حنونة علينا جدا ..ياما لعبنا تحتها ولم نشعر بلهيبها ..اليوم نقاومها بالكوندشن ..وتقسو كثيرا .

كيف لا ألوم زمنا حتى الشمس فيه تغيرت .