د. فهد الفانك
لم يكن البنك الدولي موفقاً عندما قرّر في واحد من أحدث بياناته أن تحويلات المغتربين الأردنيين في الخارج في عام 2016 البالغة 1ر5 مليار دولار ، تشكل 13% من الناتج المحلي الإجمالي.
أقول هـذا لأن تحويلات المغتربين لا تشكل جزءاً من الناتج المحلي الإجمالي ، لأنه يقيس القيمة المضافة التي يتم إنتاجها داخل البلد (محلي) سواء قام بالإنتاج مواطنون أو وافدون ، فالمحدد هو الرقعة الجغرافية.
لكن حوالات المغتربين تدخل في الناتج (القومي) الإجمالي الذي يقيس ما أنتجه الأردنيون ، سواء كانوا داخل البلاد أم خارجها ، وتطرح منه حوالات الوافدين إلى بلادهم ، فالمحدد في هذه الحالة هو الجنسية.
في بلد كالأردن منفتح على الخارج فإن المقياس الأكثر صدقاً للأداء الاقتصادي هو نمو الناتج (القومي) الإجمالي وليس الناتج (المحلي) الإجمالي الذي يفضل الصندوق استعماله.
الاغتراب يكتسب في الأردن أهمية بالغة من عدة نواح: فهو مصدر مهم للعملات الأجنبية يغذي احتياطي البنك المركزي ، وهو يعالج فائض القوى العاملة الأردنية ويعطيها الفرصة التي لا تجدها محلياً وبالتالي فإن الاغتراب باب من أبواب مكافحة البطالة ، وهو يوفر تمويلاً للاستثمار وخاصة في المجالات العقارية وأسهم الشركات والادخارات ، وبفضل الحوالات يستطيع الأردن تمويل مستورداته التي تناهز ثلاثة أمثال الصادرات.
كانت حوالات المغتربين قد أظهرت تراجعاً على ضوء الركود الاقتصادي النسبي في دول الخليج العربي على أثر انخفاض الأسعار العالمية للبترول ، ولكن هذا الاتجاه توقف مع بداية هذه السنة ، حيث عاد النمو الإيجابي إلى حاله على ضوء تعزيز الثقة العامة بالاقتصاد الأردني وثبات سعر صرف الدينار تجاه الدولار.
يقدر عدد الأردنيين العاملين في الخارج بحوالي 600 ألف مغترب ، وتصل أعدادهم مع أفراد عائلاتهم إلى نحو مليون ، مما يؤكد الأهمية البالغة للاغتراب اقتصادياً واجتماعياً.
يلاحظ على حركة الاغتراب في الأردن أنها تسير باتجاهين ، فالأردن يجمع بين تصدير واستيراد القوى العاملة ، مع فارق واضح هو أنه يصدر كفاءات عالية ذات خبرة ، ويستورد عمالة يدوية رخيصة.
هذه المفارقة تعني أن لدينا مشكلة مؤجلة هي الاختلال في تركيب القوى العاملة الأردنية من حيث الفائض في الكفاءات والعجز في العمالة اليدوية ، وستظهر هذه المشكلة في حالة عودة المغتربين ، حيث لن يسـتطيع الاقتصاد الوطني استيعابهم والتكيف مع الواقع الاجتماعي المتغير.