كتاب

جماعة عمان لحوارات المستقبل في مواجهة التحديات الوطنية «1»

يكثر الحديث هذه الأيام عن التحديات التي تواجه الأردن،وهو حديث لا بد أن يُؤخذ على محمل الجد،كما لابد من توسيع دائرته ليشمل كل التحديات التي تواجهنا. فمن الملاحظات المقلقة أن جل حديثنا عن التحديات ينصب على التحديات الخارجية والاقتصادية، وفي الطليعة من ذلك أزمة اللجوء السوري وتداعياتها التي زادت الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها الدولة الأردنية تفاقما،ومع التأكيد على أهمية التحديات الخارجية،فأنه لا بد من الانتباه الى إن الكثير من هذه التحديات الخارجية، هي إفراز للتحديات الداخلية وفي الطليعة منها ما يحاول البعض جر البلاد إليه،من بلبة تؤدي إلى إضعاف التماسك الوطني،من خلال إشاعة أجواء عدم الثقة، عبر التشكيك بكل ما يطرح على أرض الوطن من قضايا ومفاهيم ومبادرات وبرامج، وعبر الاستقواء بالخارج،وعبر تشويه صورة الوطن بنشرتقارير كاذبة ومحرفه تضخم الأخطاء الصغيرة التي لا تخلو منها دولة من الدول، وعبر النيل من أداء الرجال والمؤسسات في عملية اغتيال معنوي متواصلة للشخصية الوطنية، من خلال الاغتيال للرجال والمؤسسات،ومن خلال الخلط المتعمد بين النقد الموضوعي ونشر الإشاعة الهدامة، التي لا تستند إلى معلومة أو حقيقة،بل إن الامر يتجاوز ذلك إلى ما هو اخطر منه، أعني اغتيال الوطن كله،من خلال طرح أسئلة ذات طبيعة تشكيكية ولا تستند إلى حقائق تاريخية او منطقية، وهي أسئلة تتعلق بمكونات الدولة الأردنية وهويتها ورؤيتها وطبيعة العلاقة بين مكوناتها,مع تناسي من يثير هذه الأسئلة لحقيقة ان الدولة الأردنية تقترب من مئويتها الأولى، باستقرار وثبات غير مشهود في كل دول المنطقة التي يتغنى البعض بها. مما ينسف الكثير من مقولاتهم, ويكذب الكثير من إفتراضاتهم التي تقوم عليها اسئلتهم.

أن ما هو اخطرمن هذه الأسئلة يتمثل بدلالاتها وتأثيراتها، وعلاقة هذه الدلالات بمنظومة الولاء لهذه الدولة، ومحاولة زعزعة هذه المنظومة، وصولاً إلى زعزعة الأمن والاستقرار الوطنيين وقبله تدمير الروح المعنوية لدى الأردنيين, التي شكلت الرافعة الحقيقية والصلبة لكل إنجازات الوطن, مثلما شكلت الجسر الذي عبر من خلاله الوطن الأردني كل المحن والتحديات التي واجهته لذلك فإن من المهم التأكيد على أن مواجهة التحديات الخارجية، يجب أن تسبقها وتمهد لها مواجهة مع التحديات الداخلية، في الطريق الى بناء جبهة داخلية متماسكة وقوية قادرة على مواجهة التحديات الخارجية, من خلال إعادة بناء الروح المعنوية لأبناء وطننا وهذا هو التحدي الأول الذي علينا مواجهته بشجاعة من خلال الانحياز لخيار الدولة القوية المستقرة. والتصدي لاية محاولة لإضعاف الدولة من خلال إضعاف الثقة بها، واثارة الشكوك حول رجالها ومؤسساتها وادائها، دون ان يعني ذلك عدم ممارسة النقد الموضوعي البناء الذي يفرضه الحرص على سلامة الوطن وحمايته من المخاطر.

خلاصة القول في هذه القضية هو إن إعادة بناء الثقة بين مختلف مكونات الدولة الأردنية، المتزامن مع إعادة شحن الروح المعنوية لشعبنا هو تحد أساسي وكبير يواجهنا جميعاً.خاصة على صعيد إعادة بناء ثقة الأردني بمؤسسات الدولة ودورها. وهو أمر يحتاج إلى تحسين أداء هذه المؤسسات، وتصويب توجهاتها،لتعود إلى أداء دورها الأساسي، وهو خدمة الإنسان الأردني، باعتبار أن الموظف العام خادم للمواطن، وأن الوظيفة العامة تكليف لا تشريف. وهذا يستدعي أموراً منها: حسن اختيار القيادات الإدارية والسياسية، من خلال ترسيخ مفهوم ومبدأ القائد على رأس مؤسساتنا العامة، بعيداً عن مفهوم الموظف الذي تدفعه إلى الصفوف الأمامية في كثير من الأحيان الواسطة والمحسوبية والشللية، ومنها تفعيل مبدأ المحاسبة الصارمة في كل مفاصل الدولة. لأن غياب هذا المبدأ ساهم في إشاعة ثقافة الترهل وعدم اللامبالاة، ومنها أيضا بل وفي طليعة هذه الأمور التصدي الفردي والجماعي لكل محاولة للإغتيال المعنوي لوطننا وتشويه صورته، طوراً من خلال الاستقواء بالخارج، وطوراً بالاختباء وراء شعارات حرية الصحافة والإعلام لتشويه هذه الصورة دون مراعاة المسؤولية الوطنية والنزاهة المهنية

من اجل مواجهة هذا التحدي، كان بناء الثقة، مع ممارسة النقد العلمي الموضوعي واحدة من المحاور الرئيسية في عمل جماعة عمان لحوارات المستقبل، التي يعكف أعضاؤها على دراسة قضايا وطنهم بعلم وموضوعية وتجرد، وقبل ذلك كله من خلال تركيبتهم التي تمثل كل مكونات الوطن الاجتماعية والفكرية والعلمية. وهم بهذه التركيبة يقدمون نموذجا يحتذى للتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، ويسعون من خلال ادائهم الى المساهمة في بناء وطن قوي متطور عصري. وهذا هو اسهام الجماعة في مواجهة هذا التحدي من التحديات التي تواجه وطننا.

Bilal.tall@yahoo.com