كتاب

هذا الأردن: مواقف واضحة وشجاعة وقراءة عميقة ودقيقة

في كلمة اتسمت بالوضوح والصراحة والايجاز البليغ، وبعيداً عن أي رغبة في الاطالة او الغوص في العموميات، أوضح جلالة الملك عبدالله الثاني في الكلمة التي ألقاها باسم الاردن بعد تسلمه رئاسة القمة العربية والجلسة الافتتاحية لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، في عبارات لا تقبل التأويل جملة من الأولويات بسطها جلالته أمام القادة العرب، داعياً الى ترجمة ما يتم التوافق عليه من أهداف ومصالح أساسية، بدلاً من الالتقاء كل عام وتكرار مواقف يعلم الجميع انها لن تترجم في سياسات الدول العربية.

هنا، الآن يضع الأردن وقائده زعماء الأمة للوقوف أمام ساعة الحقيقة، والتصرف وفق ما تمليه عليهم المسؤوليات القومية والوطنية والانسانية والاخلاقية، لأن التحديات مشتركة الأمر الذي يستدعي ان تكون حلولنا مشتركة أيضاً، ولتكن هذه القمة، كما قال جلالته عن حق، محطة جديدة في العمل العربي المشترك.

انطلاقاً من هذه القراءة الملكية الدقيقة والعميقة والمستندة الى خبرة مستمدة من التعاطي المباشر مع القضايا العربية وفق رؤية جادة لمفهوم العمل العربي المشترك القائم على مبادئ التضامن والتعاون والايمان بالمصير المشترك بما هي كلها كانت ولم تزل وستبقى أولوية على جدول الاعمال الوطني والقومي الاردني .. حدّد جلالته في تكثيف وبلاغة ومفردات صريحة ومباشرة تحديات خمس يراها الاردن وقائده مصيرية لدولنا وشعوبنا وأمتنا وهي خطر الارهاب والاستيطان وتقويض اسرائيل لفرص تحقيق السلام، والأزمة السورية والأوضاع في اليمن وليبيا كذلك تطورات الأوضاع في العراق.

ولأن لدى الأردن وقيادته الحكيمة الرؤية الواضحة والقراءة الدقيقة والتجربة العميقة المستندة الى إرث طويل من التعاطي مع ملفات المنطقة وأزماتها، فيما جلالته لم يُسهبْ في شرح تلك التحديات المصيرية الخمس، انما اكتفى في الاضاءة عليها والتأشير اليها والتحذير من مغبة تجاهلها، او التغاضي عن مخاطرها واستحقاقها.. سواء في ما خص خطر الارهاب والتطرف الذي يُهدّد أمتنا ويسعى لتشويه صورة ديننا الحنيف واختطاف الشباب العربي، الأمر الذي يجب وبالضرورة ان يدفعنا للقيام بواجباتنا وتحمل مسؤولياتنا بالعمل على تحصين شبابنا دينياً وفكرياً.. فالارهاب يهددنا نحن العرب والمسلمين اكثر مما يهدد غيرنا وضحايا الارهاب كما هو معروف لدى الجميع اكثرهم من المسلمين الأمر الذي يستدعي تكامل الجهود بين دولنا والعالم لمواجهة هذا الخطر وفق نهج شمولي متكامل، أم لجهة التأكيد على مسألة لم تعد قابلة للنقاش او المساومة وهي ان لا سبيل الى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة دون حل للقضية الفلسطينية، بما هي القضية المركزية للعرب من خلال حل الدولتين ولا بد لاسرائيل من ان تتوقف عن مواصلة الاستيطان وتقويض فرص السلام.. في الوقت ذاته الذي أعاد فيه جلالته تذكير القادة العرب بطبيعة العلاقة التي تربط الاردن بفلسطين الشعب والوطن والقضية ودماء الاردنيين الندية على ثرى فلسطين والتماس اليومي في علاقة الاردن بفلسطين وشعبها كذلك في ما خص الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية بما هي مسؤولية تاريخية يحملها بلدنا وقائدنا نيابة عن الأمتين العربية والاسلامية، الأمر الذي يجب ان يكون الجميع على ثقة بأن الاردن سيواصل دوره في التصدي لاي محاولة لتغيير الوضع القائم وفي الوقوف بوجه محاولات التقسيم المكاني والزماني للمسجد الاقصى/ الحرم القدسي الشريف وبما يفرضه ذلك من ان يساند العرب اجمعين الاردن في هذه المسؤولية للعمل يداً واحدة لحماية القدس والتصدي لمحاولات فرض واقع جديد سيكون كارثياً على مستقبل المنطقة واستقرارها.

كلمة الاردن التي القاها جلالته في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية شكلت فرصة لاعادة التأكيد على مواقف الاردن الثابتة والحازمة من ازمات المنطقة وبؤر التوتر فيها إن لجهة ان تؤوي مباحثات جنيف واستانة الى انفراجة تؤدي الى اطلاق عملية سياسية للأزمة السورية تشمل جميع مكونات الشعب السوري وتحفظ وحدة الاراضي السورية وسلامة مواطنيها وعودة اللاجئين كون الاردن من اكثر دول الجوار تحملاً لاحبائهم وأكلافهم المادية والاقتصادية والمالية واستنزاف البنى التحتية ام لجهة دعم الاردن لجهود الحكومة العراقية في محاربة الارهاب تمهيداً لعملية سياسية شاملة بمشاركة كل مكونات واطياف الشعب العراقي تضمن حقوق الجميع وتؤسس لعراق موحد ومستقر فضلاً عن دعم بلدنا وشعبنا وقيادتنا لكافة الجهود المبذولة لاعادة الاستقرار والأمن في اليمن وليبيا وتحقيق مستقبل واعد لشعبيهما الشقيقين.

هذا هو الاردن الملتزم عروبته والانتماء القومي النقي بعيداً عن المزايدات والتطرف ورفضاً لكل اشكال الارهاب والعنف والداعي بدأب ومثابرة الى ان يأخذ العرب المبادرة بأيديهم لوضع حلول تاريخية لتحديات متجذرة مما يجنبهم التدخلات الخارجية في شؤونهم الداخلية.